د. حسن بن فهد الهويمل
من ظن أن عالمنا العربي بخير، وأنه يتحرف للنجاة، ويتحيز للحق فقد خدع نفسه، وقبيله.
الخطوةُ الأولى على عَتَبَةِ الصراط المستقيم أن تعرف نفسك بقدراتها، ومعوقاتها, وأن تعرف ما أنت عليه، ومن أنت.
نسيان النفس من العقوبات الدنيوية العاجلة:- {نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ} إن نسيان النفس يُجَسِّده العمل بدون علم، ولا هدى، ولا كتاب مُنير.
وما أكثر المُعاقَبِين الذين ينفقون الجهَد، والمال، والوقت. حتى إذا أجهدهم طول السرى, نظروا إلى عملهم, فإذا هو هباءٌ منثور:- {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً}. و{وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا}.
علماء مُفَوَّهون, تبهرك قدراتهم، وتشدك معارفهم, ويدهشك لسنهم، لا شغل لهم إلا تفكيك الأمة، وتشويه سمعتها, وتمزيق لحمتها، وطمس معالمها, مُعززين قبيح عملهم، بالبحث عن هفوات علمائها، والتقليل من شأنهم. والتحذير منهم. إنها مهنة الذُباب.
الفراش, والنحل تبحث عن الزهور، والروائح الجميلة. والذباب يبحث عن القذارة, ينغمس فيها، ويحملها إلى الناس. هذا خلق الله، وهذا تدبيره، وتلك سنته التي لا تتبدل, ولا تتحول.
[علم النفس] رَصَدَ أحوال الإنسان, وسلوكه، ووجد فيها العدواني طبيعةً، والسوداوي سجيةً، و[السادي] خَلِيقةً:-
[ومَهْمَا تَكُنْ عِنْدَ امْرِئٍ مِنْ خَلِيقَةٍ... وإن خَالَها تَخْفَى عَلَى النَّاسِ تُعْلمِ]
فإذا كان العدواني سجية عالماً متضلعاً، مفوهاً, يتصدر بعلمه الشأن العام، ظلت معه سجيته. وإن كان متديناً, لا ينفك من الشعائر, والهيئة الخادعة.
الإسلام دون الإيمان. والإيمان دون الإحسان، ولهذا أنكر الله على (الأعراب) قولهم:- {آمَنَّا}.
والعلماءُ المشغولون بالتفريق، والتشكيك، والتجهيل من هذه الفئة التي لم يدخل الإيمان في قلوبهم.
العلماء ورثة الأنبياء يرثون العلم، والأخلاق, وأسلوب التعامل, {وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً}
وحين لا يتمثل العالم أخلاق الأنبياء, لا يكون أهلاً لحمل هذا الميراث. أخلاقيات هذه الفئة, ونواياهم, وعمالتهم تحملهم على هدم الدين, بهدم حملته.
لقد أكرهت نفسي على متابعة البعض من أولئك الذين يدورون مع العمالة حيث تدور, يتعصبون لنحلةٍ، أو ينفذون لعبةً، أو يبيعون ضمائرهم, وقدراتهم بثمن بخس.
منهم من عرضنا له في مقالات سلفت, كـ(أبي عرفة) الذي لم أسمعه يوماً يعف عن النيل من علماء الأمة، الذين قضوا نحبهم، والذين ينتظرون.
والدعوة، والإصلاح يتعلقان بالإبلاغ، وليس بالتجريح. والرسول صلى الله عليه وسلم يقول:- [بلِّغوا عنِّي ولو آيةً] ولم يقل تصدوا للعلماء, كذبوهم، وجهلوهم، وشككوا فيهم.
هؤلاء العلماء الأجلاء تلقوا البلاغ، وتولوا تفسيره، وشرحه، واستنباط الأحكام من نصوصه. وهم الذين وصفهم الرسول بـ(الوعي)، وبِوعْيهم شَرُفوا بحمل الرسالة.
لقد اختلفوا, ورد بعضهم على بعض، ووضعوا الأصول, والقواعد للتعامل مع النص الشرعي، وعُرِفَتْ عندهم مصطلحات:- [نظرية المعرفة]، و[نظرية التلقي] وكان لكل مذهب، ولكل عالم مجتهد اجتهاداً مطلقاً، أو مقيداً (نظرية معرفية)، يُعْرَف من خلالها.
ووقع البعض منهم في خطأ الاجتهاد، وما جَهَّله أحد، ولا جَرَّمَه، ولا حذر منه. بل رد عليه, وحفظ له حرمته, والتُمِسَتَ له المعاذير. وأخذ الخلفُ باجتهاداته الصائبة.
أما هذا الصنف المجند لإفراغ الحضارة الإسلامية من محتواها, فإنه يلتمس الهفوات, لا لتصحيحها بل للنكاية بأصحابها، وتجهيلهم، والتحذير منهم، ولا يمارس هذه الأخلاقيات المسفة إلا من سفه نفسه, واختانها، ومن نُزِع الحَيَاءُ من وجهه.
لقد برع هذا الصنف الممتلئ حقداً على علماء (أهل السنة والجماعة) دون غيرهم من (معتزلة), و(جهمية), و(قدرية), و(شيعة), و(متصوفة), و(معطلة) مستخدماً التمويه، والتضليل، وخلط الأوراق، وتوهيم العامة بالاستطرادات، والابتسارات، والقول إن علماء الأمة خانوا الله, ورسوله, وخانوا أماناتهم. وأن كتبهم, وفتاواهم تصنع (القاعدة), و(داعش).
وكأن علماء المذاهب, والفقهاء المؤهلين للاجتهاد، قد جندوا أنفسهم لإفساد الدين. وكيف يدعو إلى القطيعة معهم, والله يقول:- {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [النحل:43]. إنهم أهل الذكر.
هذا الصنف الرافض لأمر الله بهذه الأساليب الضالة المضلة, يشكل خطراً على الأمة، لأنه يحاول نزع الثقة من كافة العلماء. فمن من العلماء من سلم من غمزه، ولمزه، وهمزه.
(حضارة الإسلام) تتمثل بالتراث المعرفي في سائر العلوم، وبخاصة علم التفسير، والحديث، والفقه، وعلم الكلام، وأصولها، ومن مارس معها ما يمارسه [صلاح أبو عرفة] أتاها، من قواعدها، وقطع صلة الأمة بموروثها.
وخطر هذا الصنف على الإسلام أشد من خطر المجوس، والماسونية، والصهيونية.
ذلك أنه يلتحف برداء الدين، ويَدَّعِي الغيرة على الكتاب، وصحيح السنة، ويتغنى باتِّباع الرسول، والصحابة، وعمله مناهض للكتاب، وصحيح السنة، ومخالف لهدي الرسول.
لقد جعل الله المنافقين في الدرك الأسفل من النار, لأنهم يخادعون بمظاهرهم، وادعائهم الكاذب.
علماء الأمة, وأئمة المذاهب مجتهدون، مؤهلون للاجتهاد، وهم يتلقون الكتاب, وصحيح السنة، ويمارسون الوساطة بينها, وبين العامة، يفسرون، ويشرحون، ويصححون, ويستنبطون. يصيبون، ويخطئون. والخطأ عارض، لا يتعمدونه، ولا يصرون عليه، وهم مأجورون في الحالين. وإن رغم أنف الهدامين.
ومن بان له شيء من هفواتهم, فلا يسعه إلا الاستدراك عليهم، والكف عن ذمهم، وتجريح عدالتهم، والتحذير منهم, لأن في ذلك قطع بتعمدهم للتحريف، وقطع في سوء نواياهم، وما هم كذلك.
إن الاكتفاء بالرد على هذا المَخَبِّل, المشكك, المفتري دون الكشف عن نواياه، وعمالته يتيح له فرصة الاستمرار في غيه.
إن على العلماء الغيورينٍ أن يفضحوا عواره، وتآمره, والتحذير منه.
لقد سئل عن أشياخه فما ذكر واحداً منهم، وظل يلف, ويدور، وكأن معلميه يمثلون سبة الدهر.
وسئل عمن يوصي من بعده، فلف, ودار، ولم يوص بعالم يُرجع إليه من بعده. تخبيصات هذا الدعي تكشف عن جهل تام بواقع الأمة, وإمعانٍ في ضرب [أهل السنة والجماعة] من سلفيين, وغير سلفيين إنها قدراتٌ مستأجرة, ومجندة لضرب الإسلام, لا لضرب العلماء.