أ.د.عثمان بن صالح العامر
الشيوعية وإن سادت في الصين ردحاً من الزمن فإنها ليست هي الثقافة الأصلية للصينين، ومثلها اليوم الرأسمالية التي تريد أن تكون هي وحدها ثقافة العالم بلا استثناء، إذ إن غالبية الصينين كانوا وما زالوا متمسكين ويعتزون ويفتخرون بثقافتهم الأساس الكونفوشيوسية.
وتنسب الكونفوشية؟؟ إلى الفيلسوف كونفوشيوس(???) واسمه كونج Kung وهو اسم القبيلة التي ينتمي إليها، وفوتس Futze معناه الرئيس أو الفيلسوف، فهو بذلك رئيس كونج أو فيلسوفها، ظهر في القرن السادس قبل الميلاد داعياً إلى إحياء الطقوس والعادات والتقاليد الدينية التي ورثها الصينيون عن أجدادهم مضيفاً إليها جانباً من فلسفته وآرائه في الأخلاق والمعاملات والسلوك القويم.
لم يكن «كونفوشيوس» نبيًّا مرسلا من الله، ولم يدّع هو ذلك، بل كان مغرماً بالسعي لتحقيق المدينة الفاضلة التي يدعو إليها.
تربع هذا الفيلسوف (كونج فوتس) على منزلة عالية في تاريخ الصين، واستوطن قلوب شريحة عريضة من الصينيين، وأثّر بعقولهم حتى غدت فلسفته هي الظاهر الباطن في تحديد سلوكياتهم ونمط تفكيرهم. إلا أن غالبيتهم لم يعدّوا فلسفته وحكمه عقيدة دينية متكاملة، بل مذهبًا يحتوي على حِكم ومبادئ مهمة لتكوين شخصية الفرد وسلوكياته وعلاقته مع الآخرين.
اهتم كونفوشيوس في فلسفته بالأخلاق والسياسة وتنظيم المجتمع الصيني، أما العقائد فلم يأت بشيء من عنده، إلا أنه كان يحث تلاميذه ألا يغفلوا عن الطقوس والمراسيم التقليدية في عبادة الأسلاف وتقديم القربان لمعبوداتهم، وهذا يعني أن رؤيته لعالم ما وراء الطبيعة كانت غير واضحة، فهو وإن كان لم يلتفت لها ولم يتحدث عنها في فلسفته فإنه في الوقت نفسه لا يعارض ممارسة الصينيين للشعائر والطقوس التي كان عليها الآباء والأجداد.
ومما يسجل للصين الكونفوشية أنها كانت في الماضي وما زالت تقوم على فكرة احتواء واستيعاب كافة الحضارات والتعامل معها وفق مبدأ التأثر والتأثير فيها، وهو ما أسهم في تطور الفكر الصيني حتى وصل لما هو عليه اليوم، وهذا نابع من تقديرها للعلم واعتباره مفتاح الرقي وسبيل السلام، والقارئ فيما نقل من أقوال ومناظرات وأحاديث تنسب لكونفوشيوس يستنتج أن هذه الفلسفة تشترط لتحقق التبادل الثقافي الفعال شروطا مهمة هي:
* أن يكون الهدف من هذا التبادل تحقيق الغاية التي تنشدها الإنسانية جمعاء، التي هي في نظر الفلسفة الكونفوشية «السعادة»، «إذ إن كونفوشيوس انطلق في فكره من مبدأ السعادة وكيفية تحقيقها، مؤكداً في أدبياته أن كافة الاشخاص مهما اختلفوا في تعريف السعادة فإنهم يطلبونها. ومشيراً إلى أنه ما دامت السعادة تعني الخير أو هي الخير، وأن الإنسان بطبيعته كائن اجتماعي يسعى إلى السعادة فإن على الناس أن تسعى معاً إلى تحقيقها».
* أن يكون المشارك في هذا المشروع المفصلي المهم فردا مستنيرًا.
* أن تقف خلف المشروع الثقافي حكومة صادقة.
* أن يكون المجتمع متعلماً وفق تربية فاضلة تؤهله للوعي بالمرحلة وإدراك أهمية هذا التبادل الثقافي لحاضره ومستقبله.
لهذا فالفرصة كبيرة لنجاح هذا المشروع الواعد، متى ما كان للمثقفين جهودهم الفعلية في تحقيق التبادل عملياً في قادم الأيام، وللحديث بقية بإذن الله، دمتم بخير وتقبلوا صادق الود والسلام