د. صيتة بنت فهد الغبين
لم يكن تميز المرأة السعودية في المجالات المختلفة حديث عهد، بل إنه من الإنصاف التأكيد على أن المرأة السعودية قد تميزت منذ بدايات النهضة العلمية والثقافية والاقتصادية التي مرت بها البلاد، حيث إنها كانت ومازالت شريكاً فعالا في مسيرة التقدم على كافة الأصعدة، وعلى الرغم من بعض القيود المجتمعية التي كانت تقف عائقاً في وجه بعض منهن إلا أننا نجد أنها قد وصلت للعالمية سريعاً وتميزت بحصد الجوائز والمراكز المتقدمة وفي مجالات دقيقة، وإذا كنا ننظر إلى الإنجازات الحقيقية الفعالة والمؤثرة بعين الناقد المنصف فإننا نجد أنها تجاوزت بمراحل نظيراتها في المحيط المجاور. فلو تتبعنا إنجازات المرأة السعودية على مدى السنوات الماضية بداية بالكتاتيب ووصولاً إلى الجامعات العالمية لوجدنا العديد من الأسماء التي برزت كرموز نفخر بها نحن السعوديات وكن قدوة لنا لنسير بخطوات واثقة لتحقيق طموحاتنا وأهدافنا، هذه المجالات التي برزت بها المرأة السعودية لم تقتصر على الطب و العلوم والفيزياء والأداب و الاقتصاد وغيرها من العلوم المختلفة، بل إننا نجد أنها برزت أيضاً وتميزت بشكل كبير في مجال الخدمة المجتمعية والمساهمة الفعالة في دعم فئات من المجتمع وتعزيز وجودهم ومنحهم فرصتهم في حياة كريمة، سيدات كريمات برزن في خدمة المجتمع فعلياً وساهمن بشكل كبير في تعزيز ثقافة كانت شبه غائبة وهي خدمة فئات خاصة قدر الله لها أن تحيا وفق ظروف معينة وكن سباقات في صناعة العمل المجتمعي الإنساني بشكل يفوق نظيراتهن في المجتمعات المحيطة، فالجهود التي تقوم بها سمو الأميرة سميرة الفيصل في دعم الأطفال التوحديين وأسرهم كان لها أثركبير في توعية المجتمع حول هذه الفئة من أطفالنا وما يمرون به من معاناة هم وأسرهم، فلم يعد الطفل التوحدي منبوذاً أومهمشاً من قبل المجتمع بل العكس أضحى المجتمع بفضل هذه الجهود من سمو الأميرة والمهتمات بهذه الفئة واعياً ومتقبلاً لهؤلاء الأطفال وأصبحت لدينا الكثير من الجهات الداعمة لهم، فقد كانت إصابة ابنها نافذة رأت من خلالها معاناة الأسر مما دفعها لمساندتها لخلق بيئة مناسبة للتعامل مع هؤلاء الصغار ونشر الوعي بين أفراد المجتمع لدعم القضايا الخاصة بالتوحد، ونشأت نتيجة لذلك العديد من المراكز والجمعيات المهتمة بالتوحد كما شجعت على الاهتمام بالاضطرابات السلوكية الأخرى وإن كانت بعضها مازالت تمسك بأطراف البدايات وتسير بخطات هادئة، ولكن هذا لا يقلل من حقيقة أننا نسير في الطريق الصحيح لمعالجة مشكلة هي هاجس لشريحة مهمة في المجتمع. من جهة أخرى وفي مجال هو الآخر يعنى بفئات المجتمع نجد الدكتورة فوزية أخضر وجهودها الممتدة على مدى 40 عاماً في خدمة ذوي الاحتياجات الخاصة وتحويل معاناتها كأم مع طفل من هذه الفئة الغالية علينا إلى طاقة إيجابية جبارة و إنجازات لا تخفى على المتتبع لسيرة الدكتورة ورعايتها واهتمامها بتعليم ذوي الإعاقة وكفاحها في سبيل منحهم فرصاً متساوية في الحقوق يجعل منها رمزاً من رموز الخدمة المجتمعية. لم تكن جهود هاتين الرمزين تقتصر على تحقيق نجاح ومجد شخصي بل إنهن تجاوزن كل ذلك ليمتد تأثيرهن على مجتمع كامل كان يفتقد الوعي والمعرفة بأساسيات خدمة هذه الفئات ذات الاحتياجات الخاصة
وحقوقهم.
إن تحول الأم معاناتها إلى إلهام يدفعها لأن تنطلق بقوة وبأمل يحدوه العمل المخلص رغم الصعاب التي تعترضها لتضيء ظلمة العالم الذي يلف غيرها من الأمهات، و تنسج خيط نور يشرق في وجه صغيرها كلما باغتته العتمة ليس أمراً سهلا، أن يتحول الضعف و اليأس إلى قوة تنبثق لا تنتشلنا فقط بل كل من مسه الضعف ممن يمرون بذات الألم الذي ننغمس و إياهم في أعماقه شيء لا يمكن أن نصفه بأقل من انه ضرب من ضروب الشجاعة. وكانت هاتان السيدتان مثالاً يحتذى به في لشجاعة، ملهمتان لكل أم وأب يعتصر الألم قلبيهما لظروف خاصة يمر فيها طفلهما وتمنعه من مزاولة حياته بشكل طبيعي بألا يستسلما وألا يضيقا دائرة محيطهما وأن ينطلقا كمحاربين يبحثان عن كل وسيلة تذلل العقبات في وجه هذا الكائن الجميل الذي يستحق الحياة. كثيرة هي المبادرات الرائعة التي انطلقت مؤخرا في خدمة فئات مجتمعية مختلفة من أناس جعلوا الإنسانية هاجسهم بعضها رأت النور وبعضها مازالت في طور الإعداد شجعهم الدعم الكبير من المجتمع و مؤسسات الدولة، ولكن يبقى ماقدمته هاتان السيدتان حتى هذه اللحظة مختلفا لأنهما انطلقتا من الصفر ووضعتا لبنة أساسية في بناء ثقافة إنسانية كانت غائبة عن المجتمع، ثقافة أن تكوني أماً شجاعة رأت في عيني طفلها معاناة كل الأطفال الآخرين مثله، فحملت في قلبها همه وهمهم و قاتلت بشجاعة و بسالة وانتصرت حيث الانتصار لا يليق إلا بمن يملك قلباً شجاعاً. سميرة الفيصل و فوزية أخضر تحية لكما من قلب يراكما مصدر إلهامه ورمزاً للأمل و يتمنى أن يملك الشجاعة ذاتها في يوم ما ليقدم ماقدمتماه لصغاره ومجتمعه.
ما نحتاجه الآن وبشكل قوي هو وجود روح أخرى شجاعة تدعم فئات أخرى كأطفال السكر والأمراض المزمنة و أسرهم فمازالت أغلب الجهود حولها فردية بحيث تساهم ببناء عمل مؤسسي بالتعاون مع المهتمين يدعم و يساند هذه الأسر التي تمر بضغوطات نفسية ومجتمعية، فكل أم لديها طفل سكري هي بحاجة حقيقية لمن يمسك بيدها ويساندها لتتقبل واقعها الجديد
ويخفف عليها هم معاناة مستمرة لطفل لاذنب له إلا أنه قطعة سكر، بحاجة لمن يحمل رسالة التخفيف عنهم وطمأنتهم بأن المستقبل يحمل شعاع أمل يغسل كل آثار تلك الوخزات في أجسادهم الصغيرة و يعيد النوم إلى أجفان أمهاتهم. بحاجة حقيقية إلى سميرة الفيصل أخرى و فوزية أخضر ثانية تحارب من أجلهم، من أجل منحهم بيئة مدرسية يراعى فيها رعاية صحية حقيقية، من أجل توفير مواد غذائية خالية مما يؤذيهم وبأسعار لاتثقل على أسرهم من أجل تثقيف حقيقي لأسرهم ولمجتمعهم بأنهم قطع سكر لو أهملت ستذوب.