عطية محمد عطية عقيلان
تزخر البرامج التلفزيونية والإذاعية والمقابلات الصحفية، وتؤلف الكتب عن قصص نجاح رجال الأعمال بشكل عام وخاصة ممن بدؤوا من الصفر كمصطلح يتداول للتعبير عن بداياتهم من دون رأس مال أو ميراث، بل قاموا بالعمل والاجتهاد والتعب ليصنعوا اسمهم التجاري ويحققوا النجاح. وكانت قصص الكثير منهم ملهمة للآخرين مع نقص كبير في مساهمتهم في اللقاءات المباشرة مع الشباب للتفاعل والاستفادة من تجاربهم وحكاياتهم. وقد يقع التقصير الأكبر على الغرف التجارية في استضافتهم بشكل دوري لمقابلة الشباب لتحفيزهم وتوجيههم...
ولم يسلط الضوء بشكل كافٍ عن شباب لم يصبحوا تجارًا أو رجال أعمال ولكنهم حققوا نجاحات إدارية بارزة واحتلوا مواقع مهمة سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي، وكان سلاحهم المثابرة والاجتهاد والالتزام، وأغلبهم جاء من قرى وعائلات متوسطه أو دون المتوسطة سواء على المستوى المادي أو التعليمي. ونجح هؤلاء الشباب وبدؤوا من تحت الصفر، ثابروا لإكمال تعليمهم والتزود بالمعرفة، وتشبثوا بكل فرصة قابلتهم بعد التخرج من الجامعة، وبدؤوا بوظائف عادية، وصاروا مثالاً للالتزام والإخلاص والتطور والنجاح. أغلب هذه النماذج من الشباب المكافح بدأ العمل في سن مبكرة سواء في قريته أو مدينته بعد خروجه من المدرسة، مارسوا كل أنواع الأعمال دون ترفع أو نظرة عيب، وثابروا لإكمال تعليمهم واقتناص أي فرصة للتعليم والترقي. قرأنا عن تجارب شباب بدؤوا العمل في شركات النفط (أرامكو)، بدؤوا كعمال أو مراسلين أو فنيين، وثابروا واجتهدوا حتى ترأسوا شركاتهم أو شركات أخرى. النجاح له طعم مميز خاصة ممن ثابروا وواجهوا الصعاب كافة، وحاربوا وتغلبوا من أجل تحقيق النجاح والتميز.
أفخر أنني عايشت في مجال عملي خلال أكثر من عشرين سنة نماذج لشباب كانوا يعملون كمندوبين في شركاتهم واجتهدوا وثابروا ولم يثنهم ساعات العمل الطويلة، هدفهم اكتساب الخبرة والإصرار على النجاح، فمنهم من أسس شركته الخاصة أو ترقوا حتى احتلوا مكانًا قياديًا في شركاتهم. قصص النجاح قد تكون كثيرة وشيقة في روايتها خاصة عند معايشتها عن قرب، من هذه النماذج قابلت الأخ ناصر محمد الحقباني وكان في مقتبل عمره، كانت وظيفته التنفيذية بسيطة، وكان مستقيلاً حديثًا من عمله الحكومي (متجاهلاً تهبيط زملائه في ترك العمل الحكومي كصمام أمان)، وبدأ في تحدٍ آخر من العمل بالدوام الكامل وعلى فترتين (لم يكن مستساغًا عند الشباب وقتها)، واستطاع خلال سنوات بسيطة أن يتدرج في المناصب حتى أصبح رئيسًا تنفيذيًا لأكبر شركة طبية بالشرق الأوسط، إضافة إلى عضويته في مدينة الملك سعود الطبية، واسطته الوحيدة هي تعليمه وجهده ومثابرته وأمانته والتزامه ودعم زوجته وعائلته ورضا والديه، ورجل أعمال آمن بكفاءته وأعطاه الفرصة ليكون على الموعد وعند حسن الظن، إنه مثال حي لمقولة «من سار على الدرب وصل» وحقق النجاح.
فالشباب بحاجة إلى إيمان رجال الأعمال بهم وإلى نماذج وقدوات محفزة (والحمد لله موجودون في القطاعات الحكومية والخاصة) من خلال التقائهم بهم ونقل تجاربهم وإطلاعهم على ما واجهوه من صعاب وتحديات حتى حققوا النجاح، ليؤمن الشباب المبتدئ بأهمية الالتزام والمثابرة والصبر وتطوير الذات حتى ولو كنت (تحت الصفر) فحتمًا سترتقي وتنجح إذا واصلت الالتزام، ولم تكف عن التعلم والطموح.