كوثر الأربش
الذي أعرفه أن المجتمعات السعودية تنعم بحس تطوعي مدهش، أما عن الأسباب فلا يمكنني الجزم بها. قد نعزو الأمر للدين، أو التربية، أو التعليم. لكن هذه الأسباب نشترك فيها مع الكثير من المجتمعات؛ لذا لن أبحث كثيرًا بالأسباب.
ما سأركز عليه هو الواقع، واقع أننا نحن السعوديين نمتلك تلك القلوب الكبيرة. ما أقوله هنا ليس دعاية؛ تلك حقيقة، ويمكن التأكد من الحقائق بالتجربة.
وسأشارككم تجربتي، وهي ليست الوحيدة.
شاركتُ في معرض جهود، وهو معرض وطني لجهود التطوع في المنطقة الشرقية، تحت رعاية صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن نايف بن عبدالعزيز أمير المنطقة الشرقية. هذا الرجل الذي يعمل بحب، فأحبه الجميع. كان معي على المنصة الأستاذ نجيب الزامل، صاحب الروح المحلقة، والكلمة الصادقة. أما الحضور فكانوا من المتطوعين والمهتمين. القاعة كانت ممتلئة، والابتسامة تعلو الوجوه.
تحدثنا عن هاجس المتطوع، طموحه، الجهات التي تحتضن رغبته الصادقة في تقديم العون. الإنسانيون في الحياة كثيرون، لكنَّ المتطوعين هم الوحيدون الذين فعَّلوا هذا الحس الإنساني على أرض الواقع. لقد تحولت تلك المشاعر الصامتة التي لا تعدو كونها تعاطفًا إلى فعل حقيقي، وذي أثر.
إنهم يعملون بجهد، ينفقون أوقاتهم، وأموالهم، وطاقاتهم، من أجل آخر قد لا يعرفونه، ومن المؤكد أنه لا يشترك معهم في اللون أو الجنس أو القبيلة، أو كل التصنيفات التي فرَّقتنا.
إنني ما زلت حتى هذه اللحظة - رغم أنه مر وقت ليس بالقليل على مشاركتي في تلك المنصة - أفكِّر في سر تلك الابتسامة المشعة على وجوه الجميع. كان الفضاء من حولنا كما لو أنه ملون. ولن أحدثك عن تلك الهالة التي علقت بي حتى بعد مغادرتي المكان.
إن التطوع ليس عملاً اعتياديًّا، بل هو حاجة ملحة للفرد والمجتمع، بل للوطن بكامله. وحين أقول إنه حاجة ملحة للفرد لا أقصد الأفراد المستفيدة من التطوع، بل أعني المتطوع بحد ذاته؛ لأني أحسبها من جانبين، الأول: الأثر السحري الذي يتركه علينا إسداء المعروف للآخرين، مساعدتهم، والأخذ بيدهم. إنها سعادة حقيقية لمن يتساءل عن أسرار السعادة. الثاني: الحاجة الداخلية لدى تلك الصفوة من الناس إلى أن تفعل شيئًا صالحًا من أجل الآخرين. إنهم لا يشبهون بقية البشر؛ لأن ما يسعدهم لا يشابه ما يسعد البقية. ليس تناول القهوة الساخنة، ولا مشاهدة فيلم، ولا أي شيء آخر سيسعدهم بقدر إسعادهم لآخرين. علينا تصديق ذلك، كما نصدق بوجود الفنانين والمغنين ومتسلقي الجبال وغيرهم. إنها فئة صالحة ومهمة؛ وعلينا رعايتها، والاهتمام بها.
لقد أسهم المتطوع السعودي في كل شيء، وكل وقت، حتى في الزمن القديم.. لم يكن الأمر مُقننًا، لم توجد توعية في السابق عن الاستحقاق، ولم يكن يمكن التحقق من مصير جهدك أو مالك. كانت المسألة عفوية وفردية، يحدوها فقط الشعور الجارف لفعل أي شيء من أجل الآخر.
اليوم اختلف الأمر كثيرًا؛ يمكنك التحقق من كل شيء.. درجة الوعي اختلفت، وهناك رعاية كبرى يوليها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان للتطوع، حوَّلت الأعمال الفردية إلى مؤسساتية، كيف لا ومركز الملك سلمان الاجتماعي يشارف علي عامه الرابع والعشرين.
ألم يحن الوقت لإنشاء هيئة للتطوع؟
لنتأمل هذا السؤال؛ عساه يدرج في تطلعاتنا المستقبلية.