عبد الله باخشوين
** الحديث عن الفنان الكبير أبو بكر سالم بالفقيه -رحمه الله- لا يكتمل دون الإشارة لأهمية الدور الذي لعبه الشاعر الكبير حسين المحضار -رحمه الله- في بداية مسيرته الفنية وحقق له انطلاقة سريعة وضعته على الطريق الصحيح وجعلته يتجنب عثرات الطريق الفني الذي عاناه زملاء مسيرته في عدن أمثال محمد مرشد ناجي ومحمد سعد عبدالله ومحسن عطروش وغيرهم.
ولأن المحضار شاعر وملحن فقد أعد له أكثر من عشر أغنيات وبدلاً من أن يجعله يخوض تجربة الغناء في الأفراح و(جلسات المقيل) التي لا تصلح للتسجيل على (إسطوانات) وهي المرحلة التي سبقت ظهور أجهزة التسجيل (المسجل) الأمر الذي جعل مطربي الجلسات محدودي الانتشار.. وجعلت (الإسطوانة) هي وسيلة الانتشار الأساسية.. لذلك خرج الشابان من عدن إلى بيروت وتولى الفنان اللبناني عبود عبد العال مهمة توزيع الأغنيات.. وتم تسجيلها بمصاحبة (فرقة موسيقية) سبقت أغنيات بداية (الستينات) التي كانت تسجل بمصاحبة (العود- والدربكة) فقط ومنذ البداية لم تظهر أية أغنية لهذا الفنان الكبير (طنقرة) كما كنا نسميها - أي دون تكامل موسيقي.. وهو الأمر الذي جعل أغانيه تنتشر في المملكة بشكل سريع وجعل إذاعتي الرياض وجدة تبثان نتاجه الفني قبل غيره من الفنانين الجنوبيين وكذا فعلت إذاعة الكويت وجعلته أول فنان حضرمي يظهر على مسرح التلفزيون السعودي - بعد ظهور التلفزيون- ومنذ بدايته الأولى يمكن أن نقول إن مسيرته الفنية انطلقت من المملكة العربية السعودية.. قبل أن يستولي الحزب الاشتراكي اليمني على مقدرات اليمن الجنوبي ويصادر الممتلكات ويفرض على معظم الحضارم الهجرة للمملكة ومنذ عام 1967م أو نحوها حصل أبوبكر على الجنسية السعودية استقر في مدينة جدة وتزوج ابنة السيد العطاس (أم أصيل) وبرفقة المحضار أيضا وإن كان أبوبكر يختلف - جوهريا عن غيره من فناني الجزيرة العربية بكونه شاعرا وملحنا التزم اللون الحضرمي حتى أصبح من الصعب تمييز ألحانه وكلماته عن كلام وألحان رفيق دربه المحضار.. لكنهما أسهما معاً في نشر اللون الحضرمي وإيقاعاته في عموم دول الخليج ونذكر جميعا أن شهرة الفنان الكويتي نبيل شعيل انطلقت بلحن حضرمي لأغنيته الشهيرة:
- أنا ما أنساك لو تنسى
وإن طول على بعدك
عساك انته بخير.
حيث تم تركيب الكلام على لحن أغنية شهيرة لأبوبكر يقول مطلعها:
- ولا ذي الأولة منك ولا ذي الثانية
وأقبل ما يجي منك ونفسي راضية
ولكن قد تجي وحدة ولا تلقي قبول
ورا الأيام لك وحدك
ومهما طال بك عندك
مصيره ينتهي ويزول.
غير أن انطلاقة أبوبكر سالم الكبرى جاءت بعد انتقاله للعيش في مدينة الرياض.. وبعد أن كانت مشاعره الوطنية بشكل جمالي على طريقة أغنية:
- يا مسافر على الطايف طريق الهدا.. وأغنية أخرى عن المدينة المنورة.
جرب الغناء باللهجة النجدية وغنى من أشعار الكويتي المرحوم فايق عبد الجليل.. قبل أن تتفجر مشاعره بطريقة إبداعية من خلال كلمات وألحان عدة أناشيد وطنية توجت بنشيد:
- يابلادي واصلي الله معاكي
الذي ارتقى بها كلمة ولحناً لملامسة مشاعر المواطن السعودي بطريقة حميمة تفاعل معها كل أبناء الوطن.
ويعتبر (المتخصصون) في علم الموسيقى أن أبوبكر يملك صوتاً بمكونات فريدة في طبقاته وفي (العُرب) -بضم العين- التي يمكن أن يتلون بها صوته الرخيم.
ولا أريد ان تقودني هذة الانطباعات لـ(اللقافة) والحديث عن تجربته العريضة التي هي من شأن أهل الاختصاص.. لكن لابد لي من الوقوف عند أغنية (قال الفتى) التي أعتبرها أهم أغانيه ويقول مطلعها:
- (قال الفتى قلبي الليلة سمع عنقا
وناحت العصر بالأنغام
يا غارة الله حس في صوتها رقة
باللحن تشجي
وبنغمها خلت العشق ضوى مغورم
يارب سالك تخلي سرنا مكتوم
تميت واقف ورجلي ما خطت دحقة
في الشمس قايم كما من قام
انصت لتغريدها زعقة قفا زعقة
في حيف نجدي
والقلب يدرج على بستانها ويحوم
يارب سالك تخلي سرنا مكتوم