م. بدر بن ناصر الحمدان
«الفيل في الغرفة»، هذه العبارة المجازية عادة ما تستخدم لوصف حقيقة واضحة يتم التغافل عنها أو مشكلة كبيرة يتجاهلها الجميع ويهرب منها ولا أحد يريد التحدث بشأنها، وتعتمد في فكرتها على أن هناك فيلا ضخما في الغرفة (المكان) ويبدو ظاهراً للعيان إلا أن الأشخاص الموجودين بالغرفة قرروا غض الطرف عن تواجده الذي قد يشكل خطراً كبيراً عليهم وعلى مكانهم الذي يتواجدون فيه.
هذا الفيل في محيط المدن السعودية يظهر على هيئة مشاكل حضرية متعددة ومتنوعة ومتباينة مثل (الحوادث المرورية، أزمة الإسكان، التلوث البيئي، تدهور البنية التحتية، الازدحام، نقص في الخدمات والمرافق، أجهزة إدارية مترهلة وغير مؤهلة للقيام بمسؤولياتها ...الخ) ويختلف الوزن النسبي لهذه المشاكل باختلاف حجم ذلك الفيل الذي يُعبّر عنها ومدى التهديد الذي تمثله بالنسبة لمستقبل هذه المدن وسكانها.
لم تعد المشكلة في الاعتراف بوجود هذا الفيل فقط بل باتت تكمن في القدرة على التعامل معه واحتوائه وإمكانية وضع الخطط وبناء الأدوات التي من شأنها إخراجه من هذه الغرفة ودرء العواقب التي قد تحدث بسببه، وهذا ما سيؤدي حتما إلى تكاثر هذه الفيلة وتضخم أحجامها واستيطانها في غرف المدن ومرافقها وشوارعها وفضاءاتها العمرانية ومن ثم تجد إدارة كل مدينة أنها عاجزة تماماً على مواجهتها.
من الأساطير التي يتم تداولها عن قطيع الفيلة أنها ترتحل قاصدة مواقع معينة تكون بمثابة مقابر تذهب لتفارق الحياة فيها، لذلك فالقلق أن تكون هذه المواقع هي مدننا التي نعيش فيها، ونضطر حينها أن ندفع ثمن انتظارنا دورة حياة ذلك الفيل، خاصة إذا ما علمنا أن عمرها قد يمتد إلى أكثر من سبعين سنة، وفوق ذلك أن هذه الفيلة تبدي بوضوح اهتمامها برفات من هلك منها.
لذلك تأتي المسؤولية هنا على عاتق سكان المدن أنفسهم ليخرجوا إلى فضاءات مدنهم بحثاً عن هذه الفيلة ومحاولة اللحاق بها وتحجيمها ومعالجتها قبل أن يتم فقد السيطرة عليها، فتشوا عنها في كل مكان، ولا تنسوا البحث عن «الدَّغْفَل» منها لأنه لازال صغيراً وربما كان يختبئ في إحدى ردهات المدينة.