د. خيرية السقاف
هذا التناقض عارم بين الناس..
يتناقض أغلبهم في الأفعال، والأقوال، وفي الآراء، والأفهام، وفي الأفكار، والمواقف، وفي القناعات، والمقاصد..
عجت أغبرة التناقض بين جذورٍ وفروع، وبين عذب وأجاج، وبين جادة ومنعطفات، وبين مَخبر ومظهر، بل بين الذات وذاتها، في الوقت وعينه!..
سلوك العامة يضطرب، كأن قِوام النشأة الكلية هشٌ كورق شجر الخريف،
وبواطن البناء كرقيق الصفيح ..
في هؤلاء الجوهر يتناقض مع المظهر، والمظهر منهم لا هوية له..
كذلك يتناقض فَهْم هؤلاء للصواب، والخطأ، والإفراط، والتفريط، والمجدي النافع، والمشين المسيء، والأخلاقي المقبول، وغير الأخلاقي المنقود..
حتى القيم اضطربت في تناقضهم، وانزوت الحكمة عن إدراكهم، وصمت العقل فيهم بدهشتهم مما يحيط بهم عن كل صوب، واندفاعهم نحوه بلا تريث، ما يشير إلى أن قِواعدهم رخوة، وعجينتهم من خشاش..
ويعلو السؤال: ما الذي صنعه، وأسسه، وبثَّه، وصاغه، ورسمه، من بدء الطريق
كلُّ العابرين بهم؟!..
ما الذي - منذ شهقة ميلادهم - غذّت فيهم الأرغفة التي تناولوها، وأسقته لهم الأقداح التي شربوها، وأضاءته الأبجدية التي أشعلوها فيهم؟!..
ليكونوا كما يبدون متناقضين عندما تدفقت إليهم جداول الشلال؟!..