عماد المديفر
تأتي هذه المقالة امتدادًا لسابقتها، ضمن سلسلة من المقالات التأصيلية التي أسلط الضوء من خلالها على ما أحدثه نموذج الاتصال المتوازن الثنائي، من جدل، وما تبعه من ظهور لنماذج وأبعاد متعددة، أثرت الأطر المفاهيمية والنظرية في مجال دراسة ممارسة العلاقات العامة، وحماية الصورة، وإدارة السمعة.. وفي حلقة اليوم أتناول هذا النموذج، الذي يعد أرقى أربعة اقترحها قرونيق وهانت (Grunig الجزيرة Hunt) عام 1984م، بعد سلسلة من الدراسات التطبيقية، لوصف الاتصال المؤسسي لبرامج العلاقات العامة في المنظمات، أسماها قرونيق بـ: الوكالة الصحفية، والمعلومات العامة، والاتصال غير المتوازن ثنائي الاتجاه، والاتصال المتوازن ثنائي الاتجاه. وقد وصف باحثون هذه النماذج بأنها «تجريد وتبسيط... تساعد على وصف الواقع، وإلقاء نظرة ثاقبة على تاريخ ومراحل الممارسات الرسمية للعلاقات العامة»(1)، وأنها قائمة على الربط بين متغيرين اثنين:
- شكل الاتصال (اتجاه واحد - اتجاهين).
- تأثير الاتصال ومدى توازنه (متناسق - غير متناسق)(2).
ويرى قرونيق أن النموذج الرابع «يعبر عن الأداء الأفضل أو الممتاز Excellence للعلاقات العامة باعتباره يحقق حالة من الفهم المتبادل بين المنظمة وجماهيرها الاستراتيجية من خلال تطبيق الاتصال المتماثل في اتجاهين Symmetrical»(3) بحيث تسعى برامج العلاقات العامة واتصالاتها إلى المنفعة المتبادلة بين المنظمة وجمهورها(4). ووفقًا لهذا النموذج تولي العلاقات العامة أهمية عالية للجمهور، فكما تركز اتصالاتها على إقناعه، ومحاولة التأثير فيه؛ فإنها في الوقت نفسه تعتقد بأن للجماهير قوة تأثير تعادل قوة تأثير المنظمة، الأمر الذي ينبغي أن ينعكس على إدارة المنظمة، فتعدل هي الأخرى من سياساتها، وقراراتها، وخططها بما يحقق التفهم لرغبات الجماهير واتجاهاتهم(5)، وليصل طرفي العلاقة، المنظمة والجمهور، إلى نقطة التقاء وسط يكون الرابح فيها الجميع Win -Win Zoon، وهذا هو فرقها الجوهري عن النموذج الثالث «الاتصال غير المتوازن ثنائي الاتجاه»، الذي يكون فيه استقبال المنظمة للاتصال القادم من جماهيرها بغرض فقط تقييم مدى نجاح برامج العلاقات العامة ولتطوير الرسائل الإقناعية المرسلة مستقبلاً من المنظمة إلى جماهيرها لتصبح أكثر نجاعة واقناعًا، أي أن الهدف ينحصر في ضمان تحقيق التأثير على اتجاهات الجماهير وسلوكياتهم بما يخدم مصالح المنظمة، دون أي اعتبار لمصالح الجماهير، أو نية في أن تغير المنظمة من سياساتها. وبعبارة أخرى فإن على المنظمة والجماهير، وفق النموذج الرابع، أن يكون لكل منهما القابلية للتكيف مع الآخر، والاستعداد للتغير اعتمادًا على الفهم المتبادل والاتصال الفعال نتيجة العلاقات الاستراتيجية التي بنتها المنظمة مع جماهيرها. وهو ما يمثل دور العلاقات العامة في أرقى صورها، والذي يتوقف تطبيقه -بحسب كاميرون Cammeron- على توفر عدة عوامل، تمنح مخططي برامج العلاقات العامة القدرة على تبنيه، منها: «الاستقلالية في اتخاذ القرار، والقوة والأهمية التي تتمتع بها جماهير المنظمة، ومناخ تغطية وسائل الإعلام، والقيود القانونية والتنظيمية»(6). ويرى الدليمي بأن هذا النموذج يوظف البحث التكويني لمعرفة صورة المنظمة لدى الجمهور، ورفع النصح والمشورة للإدارة العليا فيما يتعلق بردود فعل الجمهور على سياسات المنظمة، واقتراح تغيير أو تعديل هذه السياسات لتكون أكثر فائدة للجمهور، ولمعرفة مدى تفهم الجمهور للمنظمة ومدى تفهم المنظمة للجمهور، كمايستخدم هذا النموذج البحث التقييمي لمعرفة مستوى التفاهم المتبادل بين المنظمة وجماهيرها نتيجة لجهود برامج العلاقات العامة(7).
وعلى الرغم من أن هذا النموذج من الاتصال المتوازن هو المعيار الأساس للعلاقات العامة الممتازة؛ إلا أنه واجه عدة انتقادات، حيث يرى كثير من العلماء بأنه من غير الواقعي على المنظمات القوية (لاسيما الكيانات الضخمة متعددة الجنسيات) تقاسم السلطة والقوة مع الأفراد أو المجموعات الصغيرة (الجماهير)، لكن رد على هذا التصور أيضًا علماء آخرون من بينهم مورفي Murphy، ودوزير Dozier، وجيمس ولاريسا قرونيق، الذين يرون بأن المقصود بهذا النموذج هو السعي لتحقيق المصالح المشتركة من خلال لعبة «الدوافع» والمفاوضات بالتناوب والإقناع(8).
... ... ...
(1) Petersone, B. (2004). The status of public relations in Latvia. Master›s thesis, University of
Maryland. (Online) Available.
(2) الدليمي، عبدالرزاق (2015). العلاقات العامة وإدارة الأزمات، ط2، عمّان: دار اليازوردي، ص: 70.
(3) الجمال، راسم؛ عياد، خيرت (2014). إدارة العلاقات العامة المدخل الاستراتيجي، ط4، القاهرة: الدار المصرية اللبنانية، ص:51.
(4) المديفر، عماد (2013) اتجاهات المؤسسات الدبلوماسية العربية نحو توظيف الإعلام الجديد في الدبلوماسية الشعبية. رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة الملك سعود، الرياض، ص:35.
(5) الدليمي، عبدالرزاق. مرجع سابق (ص:71)
(6) الجمال، راسم؛ عياد، خيرت. مرجع سابق (ص:53)
(7) الدليمي، عبدالرزاق. مرجع سابق (ص71)
(8) المديفر، عماد. مرجع سابق (ص: 37-38)