عبدالعزيز السماري
«السلطة مفسدة، والسلطة المطلقة مفسدة مطلقة» مثل شعبوي يتم تريده بين الناس. وتكرر هذه العبارة كلما دار حديث حول السلطة، وكلما تحدث أحدهم عن الفساد. وقد أكون أحد أولئك الذين كان يرددها من حين إلى آخر، لكن ذلك التواتر حول استعمالها غير دقيق، وقد تكون معانيها الشائعة غير صحيحة.
فالأمثال ليست صحيحة دائمًا، وما حدث هو ربما كان سوء فهم لمقولة اللورد أكتون؛ فقد كان اللورد مؤرخًا ومؤلفًا كاثوليكيًّا بريطانيًّا في القرن التاسع عشر، وكان ليبراليًّا كلاسيكيًّا مشهورًا، وكان قد تحدث بقوة ضد عقيدة البابوية المعصومة خلال كتاباته، ومقولته على وجه التحديد كانت مختلفة نوعًا ما؛ فقد قال: «السلطة تميل إلى الفساد، بينما السلطة المطلقة تفسد مطلقًا، والرجال العظماء هم دائمًا تقريبًا رجال سيئون».
ربما كان اللورد أكتون أكثر صحة قليلاً من سوء الفهم الشائع، لكنه ارتكب الخطأ نفسه في السبب، وهو أن السلطة في حد ذاتها هي السبب؛ فهي أداة؛ لا تمتلك صفات أخلاقية؛ واللوم يقع على المستخدم؛ لذلك فإن مقولة إن الذين يميلون إلى السلطة يميلون إلى الفساد غير صحيحة، وربما من الصحيح القول إن السلطة لا تفسد، لكنها تكشف درجة الفساد.
بما أن السلطة لا تفسد فإن أي شخص على دراية ووعي بفساده الذاتي سوف يرفض السلطة المطلقة. والطريقة الوحيدة لتجنب إساءة استخدام السلطة هي تقييد وصولها إلى ذلك الشخص غير الواعي بفساده؛ لأنه في حال استسلم الشخص لفساد نفسه فإن شدة العواقب لوصوله تتحدد بمقدار القوة التي يمتلكها؛ فالسلطة لا تصنع شرًّا واحدًا، لكنها تزيد من قدرة الشخص على ذلك.
القوة أو السلطة تحرر الأشخاص من أغلال الضغط الاجتماعي؛ لذلك فإن اكتساب النفوذ والسلطة يسهل للإنسان العمل من خلال رغباته الحقيقية، وإظهار ألوانه وسماته النفسية الكامنة. وقد أثبتت التجارب النفسية الاتجاه الجديد في تفسير السلطة وعلاقاتها بالفساد، فالإشكال ليس في تبوُّؤ السلطة أو الإدارة، ولكن في التركيبة النفسية للمدير أو المسؤول الجديد، وهو ما قد يفتح أبوابًا كثيرة لأهمية التحليل السيكولوجي للأشخاص الذين يبحثون عن موقع السلطة.
السمات السلبية في شخصية الإنسان دومًا ما تكون كامنة، ولا تظهر أمام الجميع بسبب رضوخه للقانون الاجتماعي العام، لكن ما إن يصل إلى المنصب الإداري تبرز بشكل سافر، وتبدو كارثية في عواقبها؛ وهو ما يفتح الباب على مصراعيه في كيفية الحد من وصول هؤلاء إلى مراكز القيادة؛ وذلك منعًا للكوارث وسوء استخدام آلية السلطة في الإدارة.
خلاصة الأمر: إن هناك تغييرًا في مفهوم المثل الشعبي الدارج؛ فالسلطة لا تفسد الناس، بل الفاسدون يسيئون استخدام سلطتهم، والسلطة لا تؤدي إلى حدوث الأشياء السيئة، لكن الناس الذين يسيئون استخدامها يفعلون الأشياء غير السوية؛ وهو ما يعني أن القوة قد تُستخدم بشكل صحيح أو فاسد، ويعود ذلك إلى الشخص وأزماته وأمراضه النفسية الكامنة؛ فالإنسان السوي لا يفسد، ولا يستغل سلطاته للوصول إلى رغباته وأهوائه.