د. إبراهيم بن عبدالله المطرف
يمثِّل الحديث حول العلاقة بين الإسلام والغرب مفهوماً حضارياً، ورابطة تعامل تاريخية وحديثاً مشوقاً متشعب الجوانب، حديث العلاقة بين مجموعتين فكريتين، أثرتا أكبر الأثر في المسيرة الحضارية الإنسانية.
إنه حديث العلاقة بين أمتين كبيرتين، وقفتا في وجه بعضها حيناً، وتعاونتا حيناً آخر، واختلفتا في تبادل الأدوار القيادية عبر التاريخ، ومن هنا، فإن العلاقة بينهما اليوم، لا يمكن فصلها عن تاريخها، بل لا يمكن فهمها، إلا في إطار ذلك التاريخ.
ولقد استقطبت حالة الاحتقان في العلاقات بين الإسلام والغرب، اهتمام شرائح كبيرة من المثقفين، وقد زاد من ذلك الاهتمام، تصاعد حدة المواجهة بين الغرب والجماعات الإرهابية، واتسع نطاق المواجهة على الخريطة العالمية، واتخذت المواجهة هجوماً وهجوماً مضاداً، أدى إلى استمرار تصعيد حالة الاحتقان، التي زادت عقب احتلال أفغانستان، ومن ثم العراق، وما تلاهما من هجمات إرهابية في أكثر من مكان ودولة، من بالي إلى الدار البيضاء، مروراً بالقاهرة والرياض. ثم مدريد، وأنقرة، إلى لندن، وغيرها.
وبعد سقوط الاتحاد السوفيتي وانهيار القيم الشيوعية، أصبح الغرب ينظر إلى الإسلام على أنه البديل للخطر الشيوعي. وبدأ مفكرون كبار ممن يسمع الغرب لهم، يروّجون لأيدولوجية الخطر الجديد. ومن بين أبرز هؤلاء «برنارد لويس» الذي كتب عن الصراع التاريخي بين الإسلام والغرب. وتلاه «هنتنتغتون» الأكاديمي الأمريكي الذي روج في كتابه «صراع الحضارات» لفكرة الصدام الحتمي بين الإسلام والغرب، وهي «المقولة» التي حظيت بشهرة واسعة، في الوسط الفكري والإعلامي الغربي، والتي لا يزال يروّج لها حتى الساعة، قطاع كبير من الأكاديميين في الغرب، أكاديميون يجسدون الإسلام في صورة «إمبراطورية للشر» تهدد الحضارة الغربية.
وعلى الرغم من وجود أصوات عاقلة، حاولت أن تدعو إلى حوار بين الحضارات، وإلى فهم الإسلام وتعاليمه على أسس سليمة، إلا أنها ذهبت سدى، في خضم الترويج لفكرة الخطر الإسلامي الجديد.
وفيما يخص العلاقات بين الإسلام والغرب، فننوّه هنا عن حقيقتين مهمتين، جاءتا على لسان وكتابات العديد من كبار علماء الإسلام وفقهائه ومفكريه.
الأولى: هي أن أساس علاقة المسلمين مع الغرب وغيرهم، يتمثّل في قول الله عزَّ وجلَّ: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}. صدق الله العظيم (الآيتين الثامنة والتاسعة من سورة الممتحنة).
والثانية: هي أن الخالق سبحانه وتعالى عندما نوع الأجناس، طلب إليها أن تتآلف وتتسابق إلى الخيرات. وقد جاء في الآية الكريمة {وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ}. صدق الله العظيم (الآية السابعة والأربعين من سورة المائدة).
ولكي تتآلف البشر وتتآزر...
كان لا بد لها من أن «تتحاور»...
وهو ما ننوي العودة لطرحه في مقالة قادمة.