القراءة فعل جميل، وجسر يمدنا بمعارف عديدة وعلوم كثيرة، تؤثر في حياتنا، تنقلنا إلى عوالم بعيدة.. أحرف مجنحة بنكهة نعناع فرح، تستظل به الروح من لهيب مواجع وآلام تلامس الأطراف، ووجع يسكن القلب، ويشعل الجوارح، ويسكن الأهداب..
نعايش معها أناسًا لا يمكن التواصل المباشر معهم، عبر ساعات من المتعة، متعة لا يضاهيها أي متعة، ولحظات سعادة لا تنتهي باللقاء مع علماء عباقرة، وأدباء بلغاء، نشاركهم حياتهم مستفيدين من تجاربهم؛ فهي نافذة مشرعة للجميع، وجامعة مفتوحة دون أي شرط أو قيد.. مؤهلات الالتحاق بها فسحة من الوقت، ومكان هادئ مع وعاء معلوماتي مفضل.
إنها أداة لتوسيع المدارك، وزيادة ثقة الإنسان بنفسه.. بل هي المفتاح الرئيس للمعرفة وتطوير الذات؛ ليكون الإنسان منصفًا في أحكامه، موضوعيًّا في تقييمه، محايدًا متوازنًا، يضع الأمور في وضعها الصحيح.. وكثيرًا ما يعيد التاريخ نفسه؛ فالمشاكل هي المشاكل، والحلول مبثوثة في بطون الكتب وعقول البشر.. والكيس من يقرأ ليعتبر ويستفيد.
أما عندما تتحول القراءة إلى مجرد فعل جامد، وتصوير لهذه الحروف السوداء بعيون شبه نائمة، تنتقل من صفحة لصفحة بلا وعي أو إدراك للمضمون، قراءة لمجرد ملء وقت الفراغ دون أي أثر أو أي مردود، قراءة لا تحرِّك فينا أي مشاعر، ولا تغيِّر أي شيء من سلوكياتنا، عندها تصبح القراءة مجرد فعل عبثي، ليس له أي طائل.
بالأمس القريب طالعتنا وسائل الإعلام المختلفة بخبر عن زوجة طلبت الطلاق من زوجها بسبب إدمانه القراءة. وعلى ما يبدو، إن القراءة عند بطلنا مجرد فعل آلي للهروب من واقع مرير يعيشه؛ فبالرغم من إدمانه القراءة، ومواظبته عليها، إلا أن أثرها بقي سطحيًّا عليه، ولم يغيِّر أي شيء في نظرته للناس والحياة من حوله؛ فلو كان لها أي أثر لاستطاع أن يجد الطريقة المناسبة لفهم نفسية زوجته، والطريقة المناسبة للتعامل معها؛ فالقراءة طريق للسعادة، وكنز لحل المشاكل، ومفتاح للأبواب الموصدة، وسُلَّم لتجاوز العقبات والمصاعب.. بل كان المؤمل أن يكون الأثر أبعد من ذلك بأن يستطيع التأثير في مفاهيم هذه الزوجة المسكينة، وأن يغيِّر من سلوكياتها، ويجعلها تدمن هذا الفعل اللذيذ والجميل معه، ألا وهو القراءة..
** **
Salehn36@gmail.com