محمد سليمان العنقري
ليست مجرد استقالة تلك التي تقدم بها وزير خارجية إيران جواد ظريف، بل هي تعبير صارخ عن الانقسامات التي بدأت تعصف بالنظام الذي لطالما سوّق نفسه بأنه متماسك ومنضبط ومنسجم و»ديمقراطي!!».. لكن هذه الاستقالة المفاجئة والتي كانت أشبه بالمسرحية، لا تقف تفسيراتها عند حدود الخلاف على العمل السياسي والدبلوماسي لظريف مع رأس السلطة بالنظام «المرشد والحرس الثوري»، بل له تفسيرات عديدة أيضاً ويمكن قراءة الكثير من المؤشرات من هذه الاستقالة.
بداية تعاني إيران من أزمة اقتصادية كبرى استقال وأقيل بسببها حوالي خمسة وزراء خلال الشهور الأخيرة وعبر عنها أحد مساعدي روحاني قبل أيام بوصفه لها أنها أزمة خانقة وذلك في رده على أحد مسؤولي الحرس الثوري الذي حاول التقليل من أثر العقوبات الأمريكية على إيران، فالبطالة رغم أن الأرقام المعلنة تتحدث عن أن نسبتها 14 % إلا أن برلمانيين إيرانيين قالوا سابقاً: إن البطالة أعلى من ذلك بكثير، حيث ترك العديد من الإيرانيين وظائفهم ليعملوا بأعمال بالأجر اليومي لأنه أكثر دخلاً، لكنهم بذلك أصبحوا في عداد العاطلين نظراً لانعدام الاستقرار الوظيفي، كما أن الاستثمارات الموعودة بها إيران من قبل أوروبا بعد الاتفاق النووي الذي انسحبت منه أمريكا باتت في حكم المعطلة أو الملغية خوفاً من العقوبات الأمريكية على أي شركة أجنبية تعمل بإيران إذ إنها ستمنع من العمل بالسوق الأمريكي الأكبر بالعالم.
ورغم أن الواقع الاقتصادي لإيران هو أكثر تعقيداً وسوءاً من أن يتم سرد تفاصيله بمقال.. إلا أن بارقة الأمل والنافذة للنظام الإيراني على العالم تتمثل بشخص «جواد ظريف» الذي ارتبط بعلاقات جيدة مع نظرائه الأوروبيين الذين بدورهم يحاولون التحايل على العقوبات الأمريكية بنظام مالي خاص بينهم وبين إيران، ولذلك فإن القيادة الإيرانية من أعلى الهرم حاولت استرضاء ظريف ليعود عن استقالته التي يبدو بحسب بعض التحليلات لمختصين بالشأن الإيراني أنه نسقها مع رئيسه المباشر روحاني لكسب تأييد الشارع الذي من جهة أصبح الملاذ الأخير لإعادة التوازن لنفوذ حكومة روحاني ومن جهة أخرى بات هذا الشارع يرى في ظريف أملاً لفك الخناق عن اقتصاد إيران فالشعب الإيراني ككل شعوب الأرض يبحث في النهاية عن مستقبل اقتصادي أفضل وأكثر استقراراً؛ ولذلك شكل ظريف بالنسبة لهم أملاً بأن يعيد إيران للمجتمع الدولي.
فاستقالته أوضحت هشاشة النظام ومدى الانقسامات التي تعتريه وأنه مسنود بقشة «ظريف» في علاقاته الدولية فمن المعروف أنه لا توجد دولة أو حكومة تهتز لاستقالة وزير إذا كانت فعلاً تملك من القوة والتماسك ما يفوق اعتمادها على أشخاص، فأين إذاً المنظومة الديمقراطية والمؤسساتية التي تتغنى بها إيران؟!.. فالبورصة الإيرانية هبطت بقوة وبأكثر من 1.5. % بعد استقالة ظريف وهو حدث غريب ويدل فعلاً على صعوبة وضع نظام إيران في علاقاته الدولية وبالشق الاقتصادي تحديداً؛ فيبدو أن هذا الملف لا يوجد شخص بإيران يمكنه تنشيطه إلا جواد ظريف من بين قرابة 81 مليون إيراني هو عدد سكان إيران.
قد تكون بعض الأحداث صغيرة بنظر الإعلام والمتابعين خصوصاً إذا تم تداركها سريعاً لكنها بالمقابل تمثل زاوية مظلمة وضيقة يمكن من خلالها رؤية ما وراءها من واقع يشير إلى حقيقة المشهد السلبي والسيئ، وهو ما مثلته استقالة ظريف إذ أعطت مؤشرات على جوانب كثيرة بواقع إيران الحالي المرير ومدى تأثير العقوبات عليها وأن الشرخ وصراع القوى بدأ يطفو على السطح بين تيارين يسميان نفسيهما إصلاحي ومحافظ؛ لكنهما وجهان لعملة وجوهر واحد ويرميان لذات الأهداف.. لكن الانقسام بات يشير لتصدع في المنظومة التي كانت تتناغم فيما بينها وتوزع الأدوار حسب الظروف الدولية لينتقل لمرحلة ظهور الانقسام والخلافات للعلن.