د.عبدالله مناع
وفق تنسيق مسبق على أعلى المستويات.. تزامنت زيارة خادم الحرمين الشريفين: الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- يوم السبت ما قبل الماضي.. لـ(مصر) من بوابة منتجعها الساحلي الأشهر: مدينة شرم الشيخ.. على شواطئ خليج العقبة مع حضوره لأول (قمة عربية أوروبية) فيها.. في اليومين التاليين لوصوله.. أيّ في الرابع والخامس والعشرين من شهر فبراير الماضي.. وهو توقيت ملفت لانتباه المراقبين دون شك!! فقد جاء بعد عشرة أيام من انفضاض (مؤتمر وارسو) في العاصمة البولندية!! لبحث (الأمن والسلام في منطقة الشرق الأوسط)! والذي قيل عنه، وعن «جدول أعماله».. وحضور من حضر فيه، وغياب من غاب عنه.. الكثير!! لكن أجندة المؤتمرات الدولية قد تكون هي المسؤولة عن هذا التوقيت، ليكون مؤتمر القمة العربية الأوروبية الأول بعد مؤتمر وارسو (بلسماً)!! من خلال اهتمامه وعنايته بالقضايا والأزمات السياسية العربية إن كان في سوريا أو ليبيا أو اليمن أو في القضية الفلسطينية.. قضية العرب الأولى كما أسماها رئيس دولة (المقر) عبدالفتاح السيسي، ورئيس مؤتمر (القمة العربية الأوروبية) الأول مناصفة مع زميله -من الجانب الأوروبي- الرئيس (دونالد توسك) رئيس المجلس الأوروبي.. في كلمته الافتتاحية لأعمال المؤتمر.. وكما جاء في كلمة الملك سلمان بن عبدالعزيز.. أكبر الزعامات العربية الحاضرة في المؤتمر والداعمة له.
وقد تابع (الشعبان) العربيان في مصر والمملكة.. عبر الإذاعات والفضائيات وصول الملك سلمان.. مدينة «شرم الشيخ»، والحفاوة العريضة التي استقبل بها من أبناء الشعب المصري عامة، الذي يعرفه ويعرفهم منذ أن كان أميراً للعاصمة السياسية «الرياض».. وإلى أن أصبح ملكاً للبلاد، ويعرفون حقيقة محبته لهم، التي عبر عنها.. بعد توليه مقاليد الأمور في المملكة، وخلال أول زيارة له لمدينة «شرم الشيخ».. في شهر نوفمبر من عام 2017م.. باعتماد إنشاء أول جامعة مصرية تحمل اسمه في «شرم الشيخ»: هدية من المملكة إلى مصر.. تقديراً لدورها الحضاري والثقافي والتربوي بحكم أسبقيتها.. لتسبق زيارته هذا العام لـ»شرم الشيخ» هدية أخرى: هي إعفاء الموقوفين المعسرين من المصريين.. بـ(التسديد) عنهم وإطلاق سراحهم وسط فرحة أهاليهم في المملكة وفي مصر.
***
لتنطلق أعمال «المؤتمر» في بحث جدول أعماله، الذي كان شديد التركيز على القضايا السياسية التي تهم الجانبين معاً: العربي والأوروبي، وتلك التي تهم كل جانب على حدة.. بـ(تجديد التزام كل من دول الجامعة العربية، ودول الاتحاد الأوروبي.. بالعمل الفعال والتنسيق المشترك لمواجهة التحديات العالمية.. وفي مقدمتها الإرهاب) الذي يهدد أمن واستقرار دول «المنطقيتين» العربية والأوروبية.. اللتين تمثلان 12 % من سكان العالم.. فـ(ظاهرة) الهجرة غير الشرعية.. فـ(حماية) ودعم «اللاجئين» بموجب القانون الدولي واحترام كافة حقوق الإنسان الدولية، وإدانة كافة أشكال التحريض على الكراهية، وزيادة الجهود المشتركة لمنع ومكافحة تهريب «اللاجئين»، واستئصال جريمة الاتجار في (البشر)، ومكافحة من يستغلون الضعفاء، ودعم الجهود الرامية للتعامل مع التغيير المناخي.. وخاصة (اتفاقية باريس).. إلى آخر القضايا العامة ذات الاهتمام العربي الأوروبي المشترك، والتي تهم الجانب الأوروبي بأكثر مما تهم الجانب العربي، والتي تضمنها (إعلان شرم الشيخ) الذي تم الإعلان عنه في ختام المؤتمر.
ليتفرغ.. زعماء الدول المشاركة في المؤتمر، والذين زاد عددهم عن خمسة وعشرين زعيماً عربياً وأوروبياً.. لبحث الأزمات العربية وتجديد وتأكيد المواقف الأوروبية منها.. بادئين بـ(الأزمة اليمنية) التي صنعها الانقلابيون الحوثيون.. حيث رحب الزعماء الأوروبيون في المؤتمر.. بـ(اتفاق إستوكهولم) بين الحكومة اليمنية ومليشيا الحوثي الانقلابية.. خاصةً فيما يتعلق بوقف إطلاق النار في الحديدة.. فضلاً عن إعلان دعمهم لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة.. وفي مقدمتها القرار رقم (2216)، وهم يطالبون كل الأطراف المعنية بالعمل من أجل البناء بهدف تحقيق تسوية سياسية جامعة لكل أبناء (اليمن).. مع ضمان تدفق الإمدادات الإنسانية والتجارية للشعب اليمني.
كما دعا الزعماء الأوروبيون في المؤتمر لحل (الأزمة السورية).. إلى تبنى آلية تسوية سياسية مستدامة.. تتطلب عملية انتقال سياسية حقيقية طبقاً لإعلان جنيف عام 2012م وقرارات مجلس الأمن الدولي.. خاصة قرار المجلس رقم (2254)، وكذلك الأمر بالنسبة للأزمة (الليبية)، التي يدهش الكثيرون من استمرارها.. رغم وجود حكومة ليبية منتخبه، وبرلمان ليبي منتخب.
أما بالنسبة لقضية الشرق الأوسط.. أو القضية الفلسطينية فقد أخذت حقها كاملاً من اهتمام وإنصاف الزعماء الأوروبيين المشاركين في «المؤتمر»، الذين أعلنوا مجدداً عدم اعترافهم.. بـ(المستوطنات) الإسرائيلية في أراضي (الضفة الغربية)، وهم ينادون بالالتزام بـ(حل الدولتين).. وفقاً لقرارات الأمم المتحدة الصادرة عام 1967م، وما تشمله عن (القدس الشرقية) التي لم تعترف معظم الدول الأوروبية بأنها عاصمة لـ(إسرائيل).. كما فعل الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب».. حتى قبل في أروقة المؤتمر وخارجه بأن هذه (القمة العربية الأوروبية) الأولى في شرم الشيخ.. قد تأخرت عن موعدها كثيراً.. فـ(العرب) يحتاجون لأوروبا سياسياً وثقافياً وإنسانياً، وأوروبا تحتاج إلى العرب.. اقتصادياً وتجارياً.. أو كما قال الرئيس عبدالفتاح السيسي: (إن ما يجمع المنطقتين العربية والأوروبية.. يفوق ما يفرقهما)! وهو يودع الزعماء الأوروبيين.. إلى لقاء يتجدد في القمة (العربية الأوروبية) الثانية، التي ستعقد -بأذن الله- في عاصمة الاتحاد الأوروبي «بروكسل» عام 2022م.
ولذلك.. فإن الأخذ بالمثل الأوروبي الشائع (أن تأتى متأخراً.. خير من أن لا تأتي)!.. يبقى سائغاً ووجيهاً!!..
فمرحباً بـ(القمة العربية الأوروبية) وبينالها المتكرر كل عامين...! وهنيئاً لمصر والجامعة العربية.. نجاحها.
***
أما على الجانب الثنائي.. في زيارة الملك سلمان لمصر.. فقد كان النجاح فيها تحصيل حاصل كما يقولون.. فهي زيارة من شقيق لشقيق وحليف لحليف وصديق لصديق.. وهي تجسيد قبل وبعد هذا لتاريخ طويل وحاضر مشرق، ويكفي العلاقة بين البلدين والشعبين.. امتزاجاً وعمقاً، أن يعيش ويعمل في المملكة قرابة مليوني مصري.. وكأنهم في وسط أهلهم.. بينما يقيم قرابة نصف مليون من أبناء المملكة في مصر إقامة شبه دائمة.. وكأن مياه البحر الأحمر لا تفصل بين البلدين.. بل تمثل (نيلاً) طويلاً.. يعيش الشعبان على ضفتيه.