الثقافية - محمد المرزوقي:
تظل ظاهرة تداخل الفنون الإبداعية بمختلف أجناسها، تكاملاً «بنائياً»، يزيد من عمق المضمون في الفن الإبداعي، ويضفي عليه المزيد من الدلالات (السيمائية) في تداخل يقوم على الوعي مضموناً وشكلاً، إلا أن ما يشاهد عبر هذه الظاهرة في المؤلفات الأدبية من رسوم وتشكيل، مصاحب للنصوص، يجسد في أغلبه الحشو، والتقليدي، والمألوف، في زيادة أعداد الصفحات، حيث تصف الفنانة التشكيلية علا حجازي، لـ«المجلة الثقافية»، هذه الظاهرة بين السلب والإيجاب، قائلة: الفنون الإبداعية تزداد عمقا، وتتوشح جمالاً بما يمكن أن نقدمها به من تكامل إبداعي، وتجانس يقوم على التجديد والابتكار والإبداع، وتقديم بنية بين «النص» و»الصورة» بشكل يقوم على الوعي المتجانس العميق بين الفكرة بوصفها نصاً، والتشكيل بوصفه نصا آخر، في ثنائية إبداعية متجانسة بين (اللون والحرف)، ما يجعل من الجمع بين الفنين، مهمة من الصعوبة بمكان أن تكون ناجحة ما لم يكن منطلقها الوعي بقيمتها، وإدراك وظيفتها على مستوى الشكل وعلى مستوى المضمون.
أما عن واقع هذه الظاهرة فيما هو شائع من التشكيل في المؤلفات الأدبية، شعراً، وسرداً، فقد وصفتها علا، قائلة: بوجه عام لا تخلو بعض الأعمال من إيجابيات، إلا أن الظاهرة في عمومها تعكس الغث والحشو، والكثير من ألا وعي بأهمية وعمق هذا التداخل، سواء كان ذلك من قبل المؤلف، أو من قبل التشكيلي، الذي ربما كان هدفه (مادياً)، دون الاهتمام بما سيكون عليه مستوى التجانس، والعمق، وجدة والكتاب في شكله النهائي، فالتشكيل مع الكلمة، فضاء آخر للنصوص، ونسيجاً ضمن النسيج الإبداعي المكون للعمل الإبداعي، فالأدب بفنونه، والتشكيل بمدارسه عملة واحدة، لذا فالجملة الإبداعية «صورة»، والصورة الأخرى التي تتداخل معها هي اللوحة التشكيلية، سواء كانت على غلاف الكتاب، أو ما نشاهده مما يتداخل مع نصوص المؤلفات الأدبية.
واستدركت علا في سياق حديثها عن هذه الظاهرة قائلة: لا يمكن أن نقول بأن التشكيلي لا بد وأن يكون بليغاً، أو أديباً، أو شاعراً، أو قاصاً، أو «ضليعاً» في الفن الذي سيصاحب نصوصه بفنه، كما لا يمكن أن نتصور أن التشكيلي عليه أن يعبر (حرفيا)، بتشكيل النص بما يشبه الإطار في حدود دلالات النص الحرفية، وإنما لا بد، أن يكون التشكيل إضافة تزيد من لغة النص الإيحائية، وتمد له فضاءات بصرية شاسعة، فالقصيدة لوحة تشكيلية، وكل بيت فيها، بما يحمله من عبارات تشكيل، وتشكيلات فنية لصور منطلقها الخيال والإبداع بعيداً عن اللغة التقريرية أو المألوفة فكرة كانت أم صورة، فاللوحة التشكيلية اقتناص لـ«لحظة»، سواء كانت من لحظات حياتنا اليومية، فيما نشاهده في شارع، أو حديقة، أو مكان ما، وفي المقابل فالنص هو الآخر لحظات من المشاهد والصور، التي تمثلها الكلمة، التي تشبه الوحي للتشكيلي، ما يفترض أيضاً أن يكون المؤلف أبعد ما يكون من إدخال التشكيلي في حالة من الإرهاق، ما سينعكس سلباً على الطرفين، كما لا يمكن القبول بما يقدمه الدخلاء على الفن التشكيلي أيا كانت أساليبهم.
وعن «أدب الطفل»، وما يفترضه من هذا التجانس الإبداعي بين فني الأدب، والتشكيل بوصفه فناً بصرياً، أكدت علا على أهمية الاعتناء بالكتابة للطفل، وذلك من خلال الرسم الذي يستطيع أن يحلق بخيالات الطفل، فيما يكتب له، «مردفة» قولها: نعيش بمختلف فئاتنا الاجتماعية عصر الصورة وثورتها بمختلف فنونها البصرية، ما يجعل من الكتابة للطفل والرسم له، من أهم ما يجب العناية به، فكيف بنا ونحن نكتب للطفل، الأمر الذي يفترض أن نرسم للطفل بعناية كبيرة، وبطرق مبتكرة، ومشوقة، تقوم على الإلهام العميق والمبسط في الوقت نفسه، بعيداً عن السطحية؛ (مشيدة) حجازي، بالمهرجان التشكيلي الذي أقيمت نسخته الخامسة الأسبوع الماضي في مدينة الرياض، برعاية أمير منطقة الرياض صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن بندر بن عبدالعزيز، الذي ستسمر فعالياته حتى 28 فبراير الجاري، حيث جاءت مشاركة حجازي في المهرجان بأسلوب تراثي، استوحتها من بيت (الطين)، بمسمى «حبل غسيل»، الذي ضم مجموعة من أعمالها الفنية الجديدة، إلى جانب مشاركتها ضمن (20) فنانة وفناناً تشكيلياً في مهرجان «مسك الخيرية» الذي نظمته في العلا، تحت مسمى «تجلّت».. مؤكدة في ختام حديثها لـ«الثقافية»، على أهمية المهرجانات الوطنية التشكيلية التي يعول عليها التشكيليون في المملكة، لما تعززه من حراك إبداعي، وتلاقح تجارب، وتلاقي أفكار إبداعية من مدارس فنية مختلفة، ولما تحتضنه من أسماء في فضاء الفن التشكيلي السعودي، وفي مقدمتهم رواد الفن التشكيلي في المملكة.