كان في المطار هو وعائلته مسافراً للسياحة، وبعد انهاء إجراءات التسجيل واستلام بطاقات ركوب الطائرة، لمح امرأة كانت تقف خلفه في وسط عدد ستة «شنطة» من الحجم الكبير على الأرض، بالإضافة إلى عدد ثلاث «شنطة» معلّقة على أكتافها. فما كان منه إلا أن طلب من زوجته وأطفاله الانتظار قليلاً وساعد تلك المرأة الوحيدة في وسط هذا الكم من «العفش». ولم يسألها عن السبب ولكنها لمحت تساؤلاً واضحاً على وجهه. فقالت أنا «شغالة» سريلانكية سافر كفيلي وعائلته الكبيرة وطلبوا مني اللحاق بهم مع «العفش».
على الرغم من أنه قام بذلك الفعل بعفوية خالصة ولم ير تلك المرأة بعد ذلك، إلا أن زوجته جعلت من تلك الرحلة ذهاباً واستجماماً وإياباً «نكد × نكد». الأمر هنا يبدو مفهوماً، فالغيرة فعلت فعلها دون «منطق»، ولكن ماذا عن «النكد» اليومي داخل المنزل دون سياحة؟ فبعض النساء تغار بدون أي سبب من الشغالة التي تعمل لخدمتها وخدمة زوجها وأولادها دون كلل ولا تذمر! بل تغار من الشغالات لدى جيرانها وأقاربها ومعارفها وربما في العالم! وتوجد نساء؛ بل معظم النساء؛ يتعاملن مع الشغالة والسائق بإنسانية راقية، وتوجد بينهن من تعتبر الشغالة والسائق من أفراد العائلة! ولا ترضى أن تعامل زوجها أو أولادها بقسوة؛ ولا حتى «بإهانة»؛ مع الشغالة أو السائق! فهل هذا النوع من النساء ليس لديهن غيرة؟
لا يشك أحد بأن الغيرة هي غريزة؛ وهي موجودة لدى الذكور والإناث من جميع الأعمار؛ ولدى جميع البشر؛ وهي أشد وقعاً لدى الصغار منها لدى الكبار. كما أنها أشد بما لا يقاس لدى الحيوانات، فذكور الطيور تقتل بعضها بعضاً بسبب الغيرة! ولكن الإنسان تميز عن الحيوان بسيطرة وعيه على كل الغرائز، بل روّض الحيوان للسيطرة على غرائزه أيضاً! إذن قوّة الغريزة وحدود انفلاتها من عقالها لدى الإنسان مرهون بمقدار تجربته الحياتية؛ أي بمقدار ثقافته ومبادئه الإيمانية والأخلاقية.
إنشاء عائلة ليس عرفاً اجتماعياً في هذه الحياة، إنما هو التزام أخلاقي ومبدئي تجاه المجتمع، الذي أنشأك ورباك ووضع الأمانة في يدك كي تستمر الحياة. ومن يعتبر الشغالة والسائق والزوجة والأولاد ملكية خاصة له يفعل بهم ما يحلو له، لا أخلاق ولا مبدأ لديه.
إذا وضعنا الغيرة بين الذكور والإناث جانباً، وألقينا نظرة على الغيرة بين الزملاء في المدرسة أو العمل، فهل هي شبيهة بالغيرة بين الذكور والإناث تلك؟ ... فالذي يغار من زميله في العمل، لا بد أن يكون مصدر تلك الغيرة التنافس والفرق في مقدار النجاح بينه وبين زميله. وإذا كانت نتيجة تلك الغيرة هي دفع الغيور لتنمية قدراته وتحقيق مستوى أفضل من النجاح، فهذه غيرة إيجابية راقية ومطلوبة في جميع الثقافات! أما إذا لجأ الغيور إلى الحط من قيمة نجاح زميله بالتسفيه؛ أو التخريب؛ أو الطعن في الظهر؛ أو الاستفزاز لإيقاع الزميل في الخطأ - فهي غيرة ليست سلبية وحسب، إنما هي شعور بالنقص وتدمير للزميل وللذات وللعمل أيضاً.
** **
- عادل العلي