د. عبدالرحمن الشلاش
بتأمل واقعنا ورتم حياتنا السريع نجد سلوكيات كثيرة تستحق أن نتوقف عندها وندرسها بعناية في محاولة لإصلاح الخلل وتعزيز الإيجابيات إن وجدت. الغوص في السلوك الاجتماعي مغرٍ جدا للباحث أو الكاتب أو المصلح، من خلال التعمق فيه نكتشف أشياء كثيرة قد لا تخطر على البال.
من الظواهر الاجتماعية السيئة في مجتمعنا ظاهرة الاستعجال أو العجلة، في أي مكان كنت تسمع مفردة بسرعة. أذكر قبل سنوات كنا في مخبز وكان الزبون يصيح بأعلى صوته مناديا الخباز بسرعة يا عبده ولأنه كررها كثيرا لكزه رجل كبير في السن يقف بجانبه وكانت تظهر على وجهه علامات الحكمة ثم قال له بنبرة حادة اصبر الله يصلحك هو أحر من النار يقصد طبعا الخباز عبده، هذا الكلام صحيح فهل يستطيع الخباز أن ينجز لك الخبز قبل أوانه إلا إذا كنت تريده عجينا.
رغم أننا ومنذ كنا طلابا صغارا في المدارس الابتدائية نقرأ الحكمة الشهيرة «في التأني السلامة وفي العجلة الندامة» إلا أننا لا نطبقها سلوكا في الواقع. ادخل أي محل تجاري عندما تقف أمام البائع لتسأله عن سلعة ما وسعرها ومدة صلاحيتها وغير ذلك من الأسئلة، أو تريد دفع الحساب تفاجأ بشخص ما دخل بينكما فجأة ليستفسر عن بضاعة أو يستحث البائع للمسارعة في تصريفك كي يخلو له الجو دون أدنى احترام أو تقدير لمن يقف أمامه ملتزما بدوره، لو ناقشه أحد من الحاضرين عن سر عجلته لأجاب بأنه مشغول ولديه التزامات ووقته ضيق جدا ولا يسمح له بالبقاء طويلا وكأن الغير يعانون من الفراغ القاتل وجاءوا للتسوق بهدف إضاعة الوقت والتسلية، وليس لديهم أي التزامات مع أن الأولى الالتزام بالدور واحترام المنتظرين دون النظر لظروفهم.
ظاهرة الاستعجال تحولت إلى سمة يوسم بها مجتمعنا السعودي دون غيره رغم أنها قد تكون موجودة في بعض الدول في هيئة تصرفات فردية لا سلوك جمعي كما هو الحال لدينا، لذلك كثرت النكت والطرائف التي تسخر من الوضع وتستهجن بطريقة طريفة تلك السلوكيات غير السوية. تلقيت رسالة ربما مرت على كثير منكم ولطرافتها أوردها هنا لأنها تعبر عن واقع نعيشه. مما جاء في الطرفة وهي طويلة إشارة للشعب السعودي أنه «يقطع الإشارة بسرعة ويصلي بسرعة ويأكل بسرعة ويتكلم بالتلفون بسرعة ويذاكر بسرعة ويجي يحاسب يقول للهندي بسرعة والطامة الكبرى يوقف في المحطة ويقول يا محمد عبي بنزين بسرعة» ولك أن تضيف ما شئت مثل يريد أن يتخرج بسرعة ويتوظف بسرعة ويتزوج بسرعة.
تقف عند الإشارة تنتظر ثم تفاجأ بشخص تسلل من جهة اليمين ليتقدم على كل السيارات لينطلق بسرعة. وقفت ذات يوم أمام أحد المحلات وإذا بأحد الزبائن يرفع صوته عاليا على العامل ثم ركب سيارته وانطلق سألت العامل ما المشكلة رد علي بكلمات مكسرة «هذا نفر سعودي دايم مستعجل يالله يالله».
سلوك الاستعجال للأسف تحول مع الزمن إلى عادة لكثير من الأشخاص نتيجة غياب تطبيق العقوبات في بعض المواقع، وأحيانا يفتقد بعض الناس الصبر، وفي حالات نجد أن الشخص يحضر في آخر لحظة ولا يحسب للوقت أي حساب ومع هذا يريد أن يكون الأول ويحصل على كل شيء بسرعة.