رمضان جريدي العنزي
{فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} إن تزكية النفس منهي عنه بصريح القرآن الكريم، ولا تقبله النفس البشرية السوية، ومن هذا المنطلق فإن العزف على أوتار (الذاتية) عزف لا يطرب كل عاقل حصيف، إن الذين يتحولون في المجالس وفي المناسبات إلى وعاظ وسدنة كلام، ويتبارون في ذلك بتحدٍ وشغف، يطنبون في سرد القصص التهويلية والبطولية ويتمنطقون بلا حد، ولا سقف، ويتلبسون ثوب المنتج والمصلح والفاعل والمبادر في شؤون المجتمع، والبطل في حل قضايا الناس، والسعي معهم ولهم، تلميعًا للذات وللصورة، وترسيخاً لهدفٍ شخصيٍ يبتغيه، يعتبر خسفًا بائنًا في عقلية السارد، أن الناس الآن لديها وعي فائق، وقدرة كبيرة على الفهم، واستنباط الحقائق والقيم، لم تعد على عيونها غشاوة، ولا على عقولها حجر، ومعرفتها وعلمها زادت، ووسائل المعرفة تنوعت وكثرت، وصار امتلاكها سهلاً وميسرًا، وقيمها رخيصة، والحصول على أي المعلومة صار بسيطًا، إن الفرق كبير، والبون شاسع، فيمن يتولى تزكية النفس وإبرازها، وبين من يذكره الناس من تلقاء أنفسهم ويلهجون بمبادراته القيمة، ومواقفه الكريمة، وأعماله الجليلة، إن محاولة الطفح فوق السطح وفق معزوفات غير حقيقية ولا دقيقة وتبعد عن الصواب، يعتبر خرقاً لمبادئ الصدق، ومروقاً عن الفطرة السوية، لا ينبغي لأحد أن يخدع الآخرين بفتوحاته وبطولاته الوهمية وقصصه الواهنة، لأن المتلقي لم يعد ذلك المتلقي الذي يخدع بيسر وسهولة، إن أشد أنواع الغبن هي انتهازية الطرح المعلول، المغموس بدافع النرجسية والمصلحية ومحاولة البروز، إن سعار الذات، وحب الأنا، لدى هؤلاء يعتبر مرضًا يجب علاجه والبحث عن دواء له، قبل أن يستفحل ويتمدد ويكبر عوده، إن الاعتدال في كل شيء، في القول والعمل والطرح والسرد والتبيان، هو الذي يجب أن يتسيد، يزهر نبته، ويزدان عوده، إننا بحاجة إلى ثقافة طرح معمق يدفع بنا نحو الارتقاء، والعبور نحو الجديد المفيد، في زمن المتغيرات والمتبدلات والمتحولات السريعة، والتي لا تقبل النوم والركود والعيش على سرديات الماضي الدفين، إن ثقافة الماضوية البليدة لا تجلب لنا سوى النكوص والتقهقر والفشل، وأحياء الميت والعقيم والنعرة، وهذا هو الفرق بين ثقافة الطرح السليم من السقيم، والحل من المعضلة، إن المفتون بذاته لن يفلح أبدًا، لأنه غارق بالأوهام والأحلام والتطلعات والقدرات والملكات الزائفة، وكيف يفلح من لاحسن سوى إثارة الأزمات والاحتقانات وإثارة العواصف الداكنة التي ترمد العيون، ولا تجلب للنفس السرور، يجب أن نحيا الواقع بكل تفاصيله لكي نجابه الأمم، وأن نمور في أعماقة مورًا، وأن نجند أنفسنا لمشاريع ابتكارية تأخذ بنا نحو مصاف الأمم المتقدمة، بعيداً عن الوهم والتوهم، وسرد الحكايا الكاذبة الممتلئ أغلبها بالزور والبهتان والنفاق في مجالس إضاعة الوقت والجهد بلا مردود ولا فائدة، وحين تعشش الماضوية الدفينة وتطفو، تغيب الحقيقة وتعوّج السليقة، وتُمسخُ مفاهيم، ويُتلاعب بالرسم واللون والصورة.