أ.د.عثمان بن صالح العامر
لقد أعاد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز ولي العهد الأمين الحديث اليوم -في الأوساط الثقافية والأكاديمية العربية والصينية- عن الطريق المسمى بـ«الحرير» الرابط بين العرب والصينيين قبل أكثر من ألفي عام، الذي لم يكن حقيقة مجرد ممر للتجارة، وطريق يسلكه المسافرون فحسب، بل كان سبيلاً للتبادل الثقافي والحوار الحضاري بين الأمّتين.
* فعبر الحرير انتقلت أخلاق الإسلام مع التجار فكانت سببًا لدخول الصينيين هذا الدين العظيم.
* وعبر الحرير عرف هذا الشعب الحضاري اللغة العربية ونطق بها وكتب.
* وعبر الحرير أرسل الخليفة عثمان بن عفان -رضي الله عنه- مبعوثًا خاصًا للإمبراطور الصيني آنذاك، وذلك في 25 أغسطس 651م فالتقاه في مدينة تشيغان (شيان اليوم) عاصمة الصين في ذلك الوقت.
* وعبر الحرير أيضًا كان الجانبان يتعلمان بعضهما من بعض، ويتعرفان على العلوم والمعارف والفنون وينقلان مخترعات كل منهما للآخر.
ومع أن الصين عرفت الإسلام زمن الخلفاء الراشدين عن طريق التجار المسلمين الذين وصلوا هناك، فإن أول كتاب نشر باللغة الصينية عن الإسلام في أرض الصين كان كتاب: «شرح الحق لدين الحق» لمؤلفه: «وانغ دي يو» الذي اشتهر بلقب «شيخ الإسلام في الصين»، واسمه العربي «داود» واختلف في تاريخ ميلاده ما بين 1573 أو 1583 وفي تاريخ وفاته ما بين سنة 1657 وسنة 1658، وتضمن الكتاب مقارنة الإسلام بالكونفوشسية والطاوية والبوذية.
ومن أضخم الكتب التي ألفت عن الإسلام باللغة الصينية كتاب «ماجو» السيد يوسف الملقب بـ» شيخ الهداية في الصين»، والذي عنونه بـ «الهداية الإسلامية»، واشتمل بين دفتيه على جميع ما يتعلق بالإسلام من أصول العقائد وأحكام الشرائع وتهذيب الأخلاق والتاريخ وعلم الكلام وتزكية النفس على طريقة الصوفية ونبوّة محمد صلى الله عليه وسلم، ومشكلات المسلمين الواقعية في الصين، مقارنًا بين الإسلام من جهة والكونفوشسية والطاوية والبوذية من جهة أخرى في مواطن عديدة من الكتاب، ومبينًا بالدليل حقائق الإسلام الكبرى للصينيين الذين كثيرًا ما دخلت الشبهات في أذهانهم عن هذا الدين جراء التضليل المتعمد من قبل أعداء هذا الدين، داعيًا كلاً من المسلمين والكونفوشيين إلى التفاهم والتعارف بينهم عن طريق محاولته الجادة للتوفيق بين الإسلام والكونفوشية.
وأكثر الكتب انتشارًا وأعظمها أثرًا في الأوساط العلمية الصينية كتاب شيخ وسيلة الزاهدين بين عامة المسلمين «ليو تشي» المعروف عند العرب باسم «صالح»، واسم الكتاب: «الشريعة الإسلامية» الذي قيل عنه إنه لم يؤلف أي كتاب متخصص في الشريعة الإسلامية باللغة الصينية منذ دخول الإسلام إلى الصين وحتى تاريخ صدوره مثله، كما أن منهج الكتاب وأسلوب شرح الإسلام في قالب الثقافة الصينية وبلغة سهلة تتوافق وذهنية المتلقي ومنهجية تفكيره يسّر وصوله للأفهام وقبول الناس له.
ومن بين العلماء الذين أسهموا في التعريف بالإسلام في الصين تأليفًا وتعليمًا وتثقيفًا الشيخ روح الدين مافو تشو «يوسف»، والشيخ نور الحق «عبد الحكيم لقمان» «ماليان يوان»، ومن أشهرهم وأهمهم على الإطلاق الأستاذ محمد مكين الذي ترجم معاني القرآن الكريم للغة الصينية، والإمام محمد أمين «تشن كي لي» وغير هؤلاء كثير، وقد اطلعت على شيء من مؤلفات هؤلاء الأعلام فوجدت أنه جهد يذكر فيشكر ويقدر، ولكن لأنه عمل بشري يعتريه ما يعتري أعمال بني آدم من النقص والخلل، ولذا فالبعض منه يحتاج إلى مراجعة وتنقيح، ولعل هذا الأمر يكون ضمن أجندة القائمين على مشروع محمد بن سلمان الثقافي المفصلي الهادف إلى تحقيق التبادل الفعلي بين ثقافتين عالميتين لهما جذورهما التاريخية والحضارية (الثقافة الإسلامية) و(الثقافة الكونفوشيوسية)، وللحديث عن التبادل الثقافي السعودي - الصيني بقية بإذن الله، دمتم بخير وإلى لقاء والسلام.