عطية محمد عطية عقيلان
انتشر مصطلح (الدايت)، سواء من منتجات غذائية أو مشروبات، وتسابقت كبرى الشركات العالمية لتوفير منتجات (الدايت) لجذب شريحة من الزبائن الحريصين على صحتهم (إلى حد ما)، حتى إن المحال الشعبية من مقدمي الفول والكبدة والكبسة والحلويات العربية أضافت أسماء صحية لمنتجاتها لجذب هذه الشريحة، ومع إلزام المطاعم بوضع السعرات الحرارية للوجبات المقدمة؛ ليعرف مسبقًا حجم ما يتناوله، وأثره أو ضرره عليه، وكذلك وضع عدد النجوم لمعرفة الأجهزة الموفرة للطاقة، وملصقات على المركبات تحدد مستواها في استهلاك الوقود من ممتاز إلى سيئ جدًّا. وجميعها تهدف إلى الحفاظ على الصحة، والاستخدام الأمثل للطاقة والوقود.
لكنّ هناك إسرافًا ليس في الطعام، بل في نوع آخر، وقد يكون أكثر ضررًا وأقل متعة، هو كثرة الأصدقاء والزملاء والمعارف، إضافة إلى الأقارب، وبدون معرفة أو تحديد تأثيرهم كما في السعرات الحرارية، وتصنيف النجوم والمستويات.. فعلاقاتنا متشعبة، وهواتفنا تحتوي على مئات وأحيانًا آلاف الأشخاص، وممتلئة بالقروبات والرسائل اليومية، مع دوامة قصصهم ومشاكلهم وأخبارهم على مدار الساعة؛ لتكتشف أن حياتك متخمة بالعلاقات والقصص والأخبار.. فهل نشهد انتشار محال (الدايت) أو السكر الخفيف في الناس من خلال معرفة السعرات البشرية لهذه العلاقات التي نقابلها يوميًّا، ومستوى جودتها، ومدى استهلاكها لطاقتنا، وتصنيفهم بالنجوم أسوة بالأجهزة؟
- فهناك شخص حديثه مبهج، ويقدم المساعدة في أي وقت، ويحث دومًا على التفاؤل، ويسدي النصح بما يعرفه، ولا يتحدث بما لا يعلم، وتستمتع بمجالسته وحديثه، وإذا رأيته ابتسمت.. فهذا يستحق درجة خمس نجوم؛ ويُنصح به مع الحرص على الإكثار من أمثاله في حياتك.
- وهناك المحتقن والمتذمر والمتشائم المختلف في كل شيء (فقط من أجل الاختلاف)، ويستمتع بمضايقة الآخرين، ويرى الجانب السلبي فقط لكل حدث، ويفترض الأسوأ دائمًا.. بمجرد اقترابك منه ترتفع كل مؤشراتك الحيوية؛ فتزيد نبضات قلبك، ويرتفع سكرك، وتشعر بدقات قلبك بتسارع.. فهذا يستحق نجمة واحدة؛ ويُنصح بتجنبه قدر المستطاع؛ لأنه يستهلك طاقتك الإيجابية.
- وهناك من يتصل بك، أو يرسلك لك برسائل مختلفة، يرسل السعيد والحزين دون تقدير للوقت أو ظروفك، فقط يريد أن يبقى على تواصل، سواء بالنكت أو المصائب.. فهذا يستحق ثلاث نجمات؛ أبقِه في حياتك، ولكن خفِّف منه.
لنطبِّق معايير السعرات الحرارية واستهلاك الطاقة على مَن نتواصل معهم في الحياة، أو نلتقي بهم، أو تجمعنا بهم القرابة أو الزمالة.. ولنجرب التخفيف (أي الريجيم) ممن يستهلكون طاقتنا، ويهبطون من عزيمتنا.. ولنُكثر من الأشخاص الإيجابيين المحفزين المتفائلين الذين يبثون الأمل، وينشرون السعادة، ولا يعتبون أو يدققون في كل شيء.. ولنبدأ بأنفسنا باتباع قيم التسامح والتغافل واللين وبث روح الدعم والمساندة؛ (فلا تبخل بجاهك على أحد)، وليكن ذلك منهج حياة دون انتظار شكر أو عرفان.. ولنتجنب الإسراف في وكثرة العلاقات والشِّلل والقروبات؛ فقليل مبهج خيرٌ من كثير متعس.. وأغلبنا يردد
وما أكثر الأصحاب حين تعدهم
ولكنهم في النائبات قليل
وقيل قديمًا: «خفِّف من الناس يرتاح الراس».