محمد المنيف
يعتقد بعض أرباب الحداثة التشكيلية (المفاهيميين) من (الجاهلين بفهم ما يؤدون) أنهم أكثر تأثيرا في الفعاليات أو المعارض وأنهم المجددون للفن وأن من سبقهم بالأساليب الواقعية أو التأثيرية أو التعبيرية.. الخ، بما يلامس عقل ووجدان المتلقي وتشعره بجمال العمل وبقربه إلى فهمه.. قد انتهت وأصبح من يتعامل بها متخلفا.
هذا التوقع أو النظرة المتدنية ناتج عن نقص في ثقافة من يعتقد أن الفنون السابقة تموت وتنتهي صلاحيتها أو لا يأتي من يكمل ما بدأها من الأوائل. فلو كان اعتقادهم صادقا لأقفلت المتاحف العالمية التي تزخر باللوحات والمنحوتات الحديثة منها أو ما ورثه أو توارثه الأفراد والعائلات المهتمة بالفنون الراقية والضامنة للاستثمار عند الدخول بها في مزادات تجاوزت أعمار تلك الأعمال الفنية الخمسمائة عام ونيف، ولا زالت متألقة تحمل هوية بلد من قام بها وتاريخه وتراثه الديني والبيئي والمجتمعي.
لا نختلف أن لكل عصر ثقافته ومبدعيه لكن لا يعني هذا أن تلغي هذه الحداثة ما سبقها من فنون خصوصا إذا كان ذلك (السابق) لا زال يحظى بالاهتمام المجتمعي والرسمي وتعتز به الدول وتبرزه في أهم الأماكن التي يستقبل فيها رؤساؤها وحكامها ضيوفهم الدوليين اعتزازا بما تتضمنه تلك الأعمال من علاقة بأوطانهم وتراثها وبطولاتها.
نحن لا نعترض على روح الابتكار الحقيقي في الأعمال المفاهيمية المتحفية منها وليس العابرة، وإنما المستخلصة من هوية بلد من أبدعها حاملة رسالة جمالية وثقافية.
لقد جاءت لوحات الفنان الهولندي رامبرات مستضافة في متحف لوفر أبو ظبي فكان الإقبال المنقطع النظير الكل يسأل عن القاعة التي بها تلك العبقرية، ويتهافتون لاقتناء مجلد احتوى على تلك اللوحات بشكل لم أرى مثله في المعارض التي حملت بهرجات الإعلان والاعتزاز بالمفاهيمية واستغفال عقل المتلقي بأعمال هابطة فكرا وسيئة تنفيذا لا يعي من يقوم بتنفيذها إلا بأنه فنان يمتلك حرية التعبير وطرح بإنتاج عقل يدار ولا يدير.
كم هي جميلة أصالة العمل مهما كان أسلوب تنفيذه وكم هو رائع من لديه القدرة على جمع ملامح الجمال في وجه لوحته أو منحوتته. يحيلها إلى نبع يروي عطش الوجدان وينقل المتلقي إلى عوالم يرى فيها حياته وزوايا الجمال فيها.