شريفة الشملان
لم نكن بعيدين عن الهند ولا هم بعيدون عنا، عرفناها في الرخاء والشدة. الهند العظيمة بشعبها وكفاحها ضد الاستعمار الإنجليزي. تلك القارة الواسعة.
قاد الهند ذلك الرجل الضئيل جسماً الملتف بإحرام بسيط صيفاً وشتاءً، له عقل وسع الهند كلها بكل أطيافها ولغاتها ودياناتها. جعل الإنجليز يأخذون عصاهم ويرحلون. وقد تركوا درة التاج البريطاني. ذلك الكبير هو المهتما غاندي.
الأسبوع قبل الماضي كانت ذكرى مرور أربعة وستين عاماً على مؤتمر (باندونغ) لمنظمة الحياد الإيجابي باجتماع الدول حديثة الاستقلال وبرعاية كل من مصر والهند وإندونيسيا ويوغوسلافيا.
كان قد مضى على استقلال الهند ما يقارب ثماني سنوات، وضريبة الاستقلال ليست سهلة، حيث اقتطع منها باكستان الشرقية التي أصبحت بنغلادش وباكستان الغربية وهي باكستان الحالية، وجزيرة سيرلانكا، وتركت شوكة في قلبها تتصارع عليها بين آن وآخر مع باكستان وهي كشمير المنطقة الأجمل في الهند المشهورة وحتى الأسبوع الماضي كان قد قُتل عشرة أشخاص من الهند وبدأت شعلة النار تلتهب.
خطبة الزعيم الهندي جواهر لال نهرو المميزة والتي قال فيها كما يقول عرّاف وجاءت نبوءته مبنية على العلم والفكر لم يكن جواهر لال نهرو عرّافاً ولكنه يعرف جيداً أن لا شيء كالعلم.
هذا الرجل الذي تتلمذ على كبير الهند المهتما غاندي كان يقول بخطبته عصارة الفكر، فهو القادم من الهند، حيث تختلف لغاتها وأديانها وذات الأعراق المختلفة. وكم اشتعلت حروب بين الطوائف مما يجعل الهند في صراع دائم بعضها مع بعض بينما يرقص الاستعمار طرباً. ذات مرة قال المهتما غاندي: كلما هدأت الأمور فيما بين المسلمين والسيخ ذبح البريطانيون بقرة ورموها عند السيخ، فتشتعل النار.
وقف جواهر لال نهرو ليقول الخلاصة وبتصرّف مني دون إخلال بشيء مما احتواه:
(تطالبون بالاستقلال حسناً، تطلبون الحرية حسناً أيضاً، سوف يعطونكم ويوقِّعون قصاصات ورق بذلك لأنهم أصلاً ملّوا من ضريبة استعمارهم سيعطونكم إياه، ولكن ستجدون بلداً قد نضبت خيراته، وفتحت ثغرات عدة فيه ستتحرك ما بين وقت وآخر، عرقية ودينية وغيرها، وقد يكون للاستعمار ذاته يد فيها. الذين صبروا أيام الاستعمار ولم يطالبوا بحقوق أو أي وجود مميز سيطالبون بذلك.
ستجدون مشاكل كثيرة للاستقلال ضرائب عديدة عليكم أن تفقهوها جيداً، إنها ليست حرس شرف وقصوراً ومواكب وجيشاً هي أكثر من ذلك بكثير.
عندما تجد اقتصاد بلدك منهاراً أو على وشك. ستُستعمر بطريقة أخرى عندما تمد اليد لتطلب القروض صندوق النقد الدولي ومن البنك الدولي أو من بنوك الدول المستعمرة بمعنى هم نفس جلاديكم..
قد يكون لديكم موارد لكنها مستغلة من قِبل شركات كبيرة وهناك قلة في الوطن ربحوا وكسبوا من الاستعمار فماذا أنتم فاعلون.
ربما تضطرون لطلب المساعدة من المستعمر ترى أي استقلال أن تطلب الضحية من الجلاَّد.
سمعت بعضكم يتكلم عن الانضمام للأمم المتحدة وكأنها ملكوت الله. لن تقبل الولايات المتحدة مثلاً صوتها مساوياً لكوستاريكا مثلاً.. سيتركون لكم الأمم المتحدة والتي ستجودنها مجرد مقهى أو ناد.
إن الاستقلال والحرية ليستا مجرد كلمة فرح ولكنها مسؤولية.
إن التقدّم والسيطرة لن يكونا بالجيوش ولكنهما بالتقدّم والعلم، أنتم متقدِّمون أنتم سادة أنتم متخلِّفون أنتم مقهورون.
التقدّم اجتماعي أولاً، سبيل التنمية الوحيد هو العلم)
قتل غاندي توفي جواهر لال نهرو وقتلت أنديرا غاندي.. وبقيت الهند عظيمة بما رسخ فيها وتطور العلم بها تطوراً كبيراً.
رغم أن دخلها من أبناء شعبها المنتشرين في العالم ما بين كبار المفكرين والموظفين ومتوسطيهم وعمال مهرة وغير مهرة، إلا أن الهند ذاتها هي المنجم لكل شيء للحضارة والتاريخ وللسياحة، للإبهار في الصناعات اليدوية الصغيرة. ويبقى العلم والتطور هو السيد ولا سيما تطورها الكبير في صناعة الكمبيوتر وتطوره وعالمه الكبير والعابر للزمان والمكان.
وها هي الآن تتجه لها الأنظار وتكون قوة كبيرة في شرق آسيا تصطف مع الصين.
أتذكّر أنه في بدايات الكمبيوتر وضع مهندسوه في الهند للأحياء الفقرة كمبيوترات كبيرة على الجدران ليتعوّد عليها الصغار ويفكروا فيه.. وها هم الأطفال آنذاك يأخذون الأماكن الأمامية.
ولا ننسى ونحن نمجِّد الهند بكل ما فيها أن نذكر البيت العربي الشهير:
العلم يبني بيوتاً لا عماد لها
والجهل يهدم بيت العز والشرف
وقِسْ على ذلك الأوطان..