د. حمزة السالم
هناك احتكار طبيعي واحتكار مُصنع. فالاحتكار الطبيعي لا يكون بسبب ممارسات متعمدة، بل يحدث تلقائيًا نتيجة لديناميكية السوق أو ديناميكية الإنتاج أو طبيعة الإنتاج أو طبيعة السلعة. فعملة الاحتياط الدولية، مثلاً، مُحتكِر طبيعي بسبب ديناميكية السوق، كالدولار. والصناعات ذات البنية التحتية المرتفعة الثمن التي تشكّل غالب الكلفة هي محتكر طبيعي بسبب ديناميكية السوق، كشركات الكهرباء والماء. والإنتاج الذي يعتمد على خبرات نادرة أو كلفة إنتاج عالية، هو إنتاج احتكاري طبعاً لا تطبعاً، ومثاله كصناعة الطاقة الذرية أو الطائرات. والسلعة التي يكون من طبيعتها اعتياد الناس عليها ذوقًا أو خبرةً وتعليمًا تصبح مُحتكِرة بالطبيعة، كنظام ميكروسوفت مثلاً.
والندرة في تخصصات العلوم التي تتعلّق بصناعة معينة وبراءات الاختراع، تمنع من فتح السوق للمنافسين، مثل صناعة بعض الأدوية والأسلحة. وكذلك هي الكلفة الضخمة لتأسيس مصنع ما، تجدها مانعاً من دخول المنافسين، كصناعة الطائرات والبوارج البحرية والسفن العملاقة.
الاحتكار الطبيعي، هو خلق من خلق الله وسنّة من سننه في تنظيم هذا الكون يجري وفق سنن الإله في الحياة. مثله مثل الحياة والموت والليل والنهار والفيزياء والكيمياء.
والاحتكار الطبيعي ليس في الصناعات وأسواق المال والسلع فقط، بل هو أيضًا في الأيدولوجيات والأديان والعملات. فسيطرة أيدلوجية أو مذهب ديني على إقليم أو بلد أو على العالم تمنع من ظهور غيرها. فمثلاً، قوة انتشار مفهوم الديمقراطية وكثرة اتباعها يمنع من ظهور نظام سياسي جديد. وذلك لغياب الدافع للتفكير في نظام جديد، وذلك لسيطرة الثقافة الديمقراطية على فكر المجتمعات، فيمنع هذا من وجود البنية التحتية الكافية من التفكير والتنظير اللازم لتأسيس فكر إيدلوجي جديد.
والأيدولوجيات لا تأتي من تفكير شخص واحد ولو نسبت له، كالماركسية. فالماركسية مثلاً، هي خلاصة فكر متراكم عبر التاريخ وعبر المحيط الاجتماعي الذي عاش فيه كارل ماركس. وحتى لو افترضنا خروج شخص بفلسفة جديدة لبديل عن النظام الديمقراطي، فلن يجد القبول والانتشار في ظل احتكارية الديمقراطية للفكر العالمي اليوم.
ومثل هذا في الأديان والمذاهب. فقد احتكر مثلاً، المذهب الكاثوليكي طبيعياً الديانة النصرانية، وما ظهر المذهب البروتستاني إلا متأخرًا جدًا بعد أكثر من خمسة عشر قرنًا مع الانفتاح التدريجي للحريات الدينية في أوروبا وموافقة المذهب البروتستانتي لأهواء البعض للتخلص من هيمنة الكنسية الإيطالية.
وهناك الاحتكار الطبيعي للثروات. فالاقتصاد عمومًا مثل الحكم والسياسة. فكما أنه لا تستقيم أمور المجتمع والدولة إذا كان كل المجتمع أو غالبه حكامًا أو سياسيين، أو أن تُوزع على أفراد المجتمع مقاليد قرارات السُّلطة، فكذلك لا يصلح أن يملك غالب المجتمع غالب الثروة أو أن تُوزع على أفراده ثروات المجتمع. وتوزيع السلطة لا يصلح بسبب طبيعة عوامل السلطة التي تحكمها وجوب وحدة القرار والإنسان بطبيعته الخلاف ويسعى للسلطة، بينما ديناميكية السلطة تستلزم عدم المنازعة والمخالفة، فتوزيع السلطة على أفراد كثر، يفسد ديناميكيتها. وكذلك هو مبدأ توزيع الثروة في الاقتصاد. فالرؤية الاقتصادية لحتمية امتلاك القلة للثروة تفسيره أنه هو من باب الاحتكار الطبيعي.