د. فهد صالح عبدالله السلطان
هناك إجماع بين خبراء الإدارة على أن أي تنظيم إداري سواء ربحي أو خيري أو حكومي يجب أن يحقق أهداف التنظيم الثلاثة: الجودة وسرعة الأداء وكفاءة الإنفاق. والمهم هنا تحقيق هذه الأهداف مجتمعة وبشكل متزامن لأن إسقاط أي واحد منها يخل في قيمة الهدفين الآخرين. فليس من الإبداع أو الجدارة أن نحقق الجودة وسرعة الأداء بتكاليف مرتفعة، وفي المقابل نخطئ عندما ندعي أننا حققنا تخفيضاً في تكاليف الخدمة أو الإنتاج في الوقت الذي تراجع فيه مستوى جودة مخرجاتنا. مكمن التميز العملي هو أن يتم تنفيذ العمل بجودة وسرعة عالية وتكاليف معقولة. وبالتالي فإنه يمكن القول إن تطوير أي منظمة سواء إعادة هيكلة أو بناء استراتيجية أو إعادة هندسة الإجراءات أو غير ذلك يجب أن يتضمن ما يؤكد تحقيق هذه الأهداف الثلاثة مجتمعة ومتزامنة وهو ما أسميته بثالوث التميز. وأن ينعكس ذلك في مؤشرات الأداء الرئيسة.
قد يقال إن ذلك جيد من الناحية النظرية ولكن يصعب تحقيقه عملياً. والحقيقة أن ذلك هو فيصل التطوير وأساسه وهو مكمن النجاح في أي برنامج تطويري. وهو ممكن من الناحية العملية.. وكل ما يتطلبه الأمر هو تطبيق المسارات الثلاثة التالية: الأول بناء الهياكل التنظيمية بشكل مهني وبتسلسل منطقي يبدأ من إعادة إعادة هندسة العمليات (الإجراءات) بشكل مهني ثم تطبيق التقنية ثم بناء الهيكل الوظيفي ثم الهيكل التنظيمي وليس العكس كما هو الحال في كثير من الأجهزة. والثاني: بناء النموذج التشغيلي المستهدف TOM الذي يعتبر العنصر الرئيس في تحقيق أهداف التنظيم المشار إليها، حيث تكتفي كثير من الأجهزة في بناء الهياكل التنظيمية وتتناسى النموذج التشغيلي الذي يمثل العمود الفقري لكفاءة العمل وفاعليته. والثالث هو تطبيق إدارة التغيير التي تركز على بيئة العمل وتمكين العاملين من تفعيل ما تم تطويره.
من خلال متابعتي لأداء كثير من الشركات الاستشارية الأجنبية تلاحظ لي أنه على الرغم مما لدى بعضها من الخبرات الاستشارية الطويلة إلا أنها تقع في أخطاء جوهرية قد يكون من أهمها: أولاً تركيزها في دراساتها على الجانب النظري بحيث تقوم باستيراد النظريات العالمية في التنظيم ومحاولة تطبيقها في البيئة المحلية دون محاولة لتكييفها مع بيئة العمل المحلية وعلى أرض الواقع. ثانياً: أنها تغفل صياغة النموذج التشغيلي TOM الذي يعمل على ربط الدراسة بالجانب العملي التطبيقي. والثالث أنها تنسى أو تتناسى نقل المعرفة للعاملين وتمكينهم من تفعيل برنامج التطوير. كل ما آمله أن يتنبه المختصون في برامج التحول ومشاريع بناء الاستراتيجية وإعادة الهيكلة وتطوير الإجراءات لذلك ولأهمية تحقيق ألأهداف الرئيسة للتنظيم أو ما تم تسميته بثالوث التميز.
الشيء المؤكد هو أن التنافس العالمي في المرحلة المقبلة وابتداءً من العقد الثالث الميلادي سوف يتركز على ما أسميناه هنا بثالوث التميز.. وهو ما تخطط له الصين وتعتزم تحقيقه في العام 2025م. وتسعى إلى تحقيقه كثيراً من الحكومات والشركات العالمية.