عبدالعزيز السماري
من أهم أسباب عدم الاستقرار في منطقة الشرق العربي هو صراع الأيدولوجيات، فقد أدت إلى تمزيق مفهوم الوطن الواحد، وتحويله إلى ميدان لاجترار الصراع، وأدى ذلك إلى الفشل في إيجاد حماية قانونية لجميع السكان بدون تفرقة حسب المعتقد، فعندما تكون المرجعية الطائفية أعلى من القانون يستمر الصراع إلى أن نصل إلى مرحلة التمزّق والتشتت..
لعل أشهر مثال لهذه الحالة ما يجري في إيران، فهذه الدولة تمثّل حكم طائفة متطرفة لها تفسيراتها وحقائقها فوق مختلف الأثنيات والطوائف من خلال وسيلة التسلّط، وهو ما يجعل من المجتمع قنابل مؤقتة، وقابلة للانفجار في أي لحظة، وقد نص نظامها على أن الفقيه الشيعي له الولاية، وفي ذلك نموذج لمقدمة استمرار الصراع الأيدولوجي..
ما يجري في ليبيا وسوريا والعراق هو صراع حقائق بين الطوائف، فكل يريد أن يصل بأفكاره حول الحياة إلى السلطة، ثم فرضها بالقوة على الجميع، ولعل المثال الحيوي الآخر على بيئة الصراع، ما يجري في اليمن، فالحركة الحوثية تعمل من أجل قيام دولة طائفية في جنوب الجزيرة العربية، وفرض تفسيراتها وولاءاتها على مختلف السكان والطوئف والأثنيات.
الدخان الكثيف والفوضى السائدة في الشرق الأوسط هي إشارة إلى تفاقم الصراعات الإيديولوجية، وهي من المؤكد لم تكن أبداً دينية خالصة، بل تمثّل ستاراً لمصالح سياسية واقتصادية للفئات والمرجعيات المسيّسة، والمؤمن أو المؤمن الحقيقي قد لا يدرك ما إذا كانت مثل هذه الصراعات الإيديولوجية هي السبب الحقيقي وراء الحروب المستمرة، مما يدفع البسطاء إلى الهرولة خلف النيران المشتعلة بلا وعي، واللجوء إلى تأجيج الإرث والاحتياطي الأيديولوجي للدفاع عن أنفسهم في حرب تحويل الخرائط العربية وإراقة الدماء إلى واقع بائس في الأراضي العربية، والتي يشرف عليها ويراقبها سادة العالم..
الخطورة في الأمر أن الأيديولوجيات المتناحرة تقوم الآن بتشكيل العلاقات الدولية بشكل عام، وتظهر بوضوح في الخطاب السياسي مثل الهلال الشيعي والحزام السني، وقد قامت علاقات دولية على هذه الأساس، فالروسي والصيني يقفان في صف الهلال الشيعي، والسني المعتدل يبحث عن توازن القوى في الغرب..
تشكل الاختلافات الإيديولوجية واختطافها لسياسات الدول سبباً رئيسياً للصراع الدولي والتشابه الأيديولوجي في الشرق. وعلاوة على ذلك، فإن الجماعات الإيديولوجية المختلفة في نفس البلد، وفي نفس الوقت أيضاً تمارس السياسة والمعارضة من خلال نفس المنظور، وفي كثير من الأحيان قد تبحث عن تفاهمات وقتية مع أيدولوجيات معادية، كما يحدث في علاقات الإخوان مع إيران..
صراع الإيديولوجيات في الشرق العربي وصل إلى مرحلة التسمم، وقد تم تصميم هذه الوصفات ربما مسبقاً لتعزيز مصالح الدول الكبرى في الشرق الأوسط، وما يجري حالياً هو واقع نموذجي للقاعدة الغربية الشهيرة فرق تسد، وقد تفرقنا إلى أصغر مكونات المجتمعات القبلية والطائفة، فهل تبدأ مرحلة اليقظة من الكابوس الأيدولوجي، وذلك عبر تحييد الصراع من خلال الأيدولوجيا والطائفية والاحتكام إلى قانون يسود على الجميع..