خالد بن عبدالكريم الجاسر
هي المرة الأولى في التاريخ، خطوة في إطار الحوار على مائدة واحدة، حوتها مدينتنا العربية شرم الشيخ قمة عربية أوروبية تتجاوز اللقاءات الروتينية للاجتماعات الأُممية، بضخامة حضورها الدُبلوماسي من الجانبين، نتيجة لسنوات من الحوار، مثله نجاح سياستنا العربية بمنهجيتها المتوازنة، وواقعيتها التنموية والأمنية في سياق واحد، لخصه «لنكيفيشيوس»، وزير خارجية ليتوانيا الهدف من القمة «هناك مصالح مشتركة وعلينا أن نحققها».
ولعل أزمات أوروبا الخانقة، قد تكون سبباً لما آلت إليه، يقابلها كثير من التحديات والمهددات العربية، وهي إشكالية كبيرة للطرفين أوجبت الجلوس على طاولة واحدة، للتحاور والتشاور والخروج بآليات عمل وجداول قد تكون مُستقبلية، يمكن من خلالها الانطلاق نحو تسهيل ما كان ممكناً أن يضع عراقيل وبيروقراطية العمل المشترك، خاصة بعد فشل قمة ميونيخ للأمن قبل أيام، بتناولها قضايا الأمن والهجرة غير الشرعية والتنمية... فما كان من القارة العجوز إلا الاستجابة السريعة إدراكا لمدى الجدية والعائد من هذا الحدث التاريخي كما وصفه موجرينى، مفوضية السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، ولعل ترتيب بيتها وإعادة مسؤوليتها تجاه الدول الأخرى قد يُساعده ربط التنمية بالاستثمار، وخلق فرص عمل لتقليل احتمالات الهجرة تجاه أوروبا، ونفس الأمر فيما يتعلق بالإرهاب وتحقيق الاستقرار في العمق الاستراتيجي الأوربي..
لقد كانت المملكة سباقة لتنبيه العالم أجمع بخطر الإرهاب، وقادت العديد من الجهود الدولية الرائدة لمحاربته على كافة الأصعدة بما في ذلك تجفيف منابعه الفكرية والتمويلية، ومحاربة تمويل الإرهاب وغسيل الأموال «بلا هوادة ولا تساهل، حتى أثمر ذلك عن إحباط العديد من المحاولات الإرهابية الآثمة، بل وحذرت من تباين الرؤى حوله، لنجد أن التباين أوروبي - أوروبي قبل أن يكون عربيا - أوروبيا، وكأنه خلاف سُفسطائي بين التيار اليساري الليبرالي والمحافظين، إذ تؤيد الأولى عودة عرائس الجهاد لأوروبا على اعتبار أنهن ضحايا، كما فعلت بريطانيا، وكأن القانون ساحات ألعابهم يتبارون فيها مع الطرف الآخر، دون اعتبار لجوهر القضية التي أثاروها بمناطق من العالم كثيرة، عادت بالسلب عليهم، فهل فاقت من غفلتها؟.
لعل جلوسها على طاولة الحوار هي الخطوة الأولى في الاتجاه الصحيح للتنازل عن مصالحهم في إيران ومليشياتها المسلحة التي تراها أوربا «نشاطاً»، ودورهم مع الخطر الداهم بدعم المرجومين من الإخوان في قطر وتركيا، وإصرار اليسار الأوروبي على تجاهل هذه الحقائق وإدراج تلك الملفات تحت شعار الحقوق وحريات التعبير، يجعل من شعار القمة «في استقرارنا نستثمر»، جملة غير فعلية، لا تُسهم في حلها، بل في تعقيدها.
نقطة من أول سطر: لقد ركزت أوروبا على قضية الهجرة، على حساب ملفات أخرى، كالتجارة والاستثمار والصراعات العديدة بالمنطقة، ولكن وكما اعتدنا أن لا تُقدم أوروبا أكثر من الحديث عن السلام في الشرق الأوسط؛ إذ تبدو مُتقبلة لحقيقة توقف نتائج الحرب والسلام في المنطقة، هذه الأيام على التحركات الأمريكية والروسية ومناورات القوى الإقليمية.
وقفة: إن المملكة لا تتأخر بأداء واجبها تجاه القضايا الإنسانية، فقد قدمت مساعدات تجاوزت الـ35 مليار دولار لأكثر من 80 دولة في المجالات الإنسانية والخيرية. وعلى الجميع العمل على تحقيق «شراكة حقيقية، تستلهم من تجارب الماضي خططًا للحاضر، ومن تحديات الحاضر فرصًا للمستقبل كما قال مليكنا -حفظه الله- شاكرين بقلب أخوي لمئة مليون مصري استقبل بحفاوة الملك سلمان ببيته المصري.