د. عبدالرحمن الشلاش
من النادر أن تجد سعودياً بصحبة عائلته وهو يقضي إجازته خارج السعودية مسترخياً في أحد الشواطئ الجميلة الهادئة والبعيدة عن صخب الحياة وضجيجها يغسل بدنه من تعب العمل طيلة شهور العام ويرمي همومه وهو يستمتع بزرقة مياه البحر وتنتعش روحه وهو يتنفس هواء نقيا تمتلئ به رئتيه وتهب عليه نسمات عليلة تحمل هواء لا تلوثه الغازات السامة المنبعثة من مداخن المصانع وعوادم السيارات، وهو إن ذهب إلى تلك الأماكن فذلك من باب الفضول لا أكثر وضمن برنامج «شيء ما شفتوه» وإذا ما شفتوه فماذا تجيبون الناس عندما يسألونكم إذا رجعتم إلى الديار «كيف سافرتوا وما شفتوه» وكأننا نسافر وندفع آلاف الريالات من أجل أن نتلذذ فقط ونحن نروي للناس مشاهداتنا ومغامراتنا ومواقفنا المفرحة أو المحرجة ونتناسى أن للسفر فوائد وفيه متع خلاف «شيء ما شفتوه».
نادرا ما تجدنا نحن السعوديين نستمتع بإجازاتنا القصيرة والطويلة ضمن برنامج مخطط غير منهك أو مكلف أو مشتت للتركيز لذلك قل أن تجدنا نزور المتاحف ونقضي فيها الوقت الطويل نشاهد ونتأمل ونسأل ونقارن كما يفعل الغربيون وإن حدث أن ذهبنا فلدقائق قليلة تتسارع فيها خطواتنا ونستحث من معنا بالإسراع لأن الزيارة تتم ضمن برنامج «شيء ما شفتوه».
الإجازة التي تأتي بعد عناء العمل أو الدراسة يذهب معظمها في تنفيذ البرنامج الشهير «شيء ما شفتوه» لا نترك شارعا ولا محلا ولا مولا ولا مطعما ولا حديقة ولا ملاهي ولا مقاهي ولا صالة سينما إلا ونذهب إليها جميعا ونزورها ولو زيارة خاطفة. نذهب في اليوم إلى عشرات الأماكن يبدأ البرنامج من الظهر إلى بعد منتصف الليل في برنامج طويل جدا يتساقط بعد نهايته أفراد العائلة من التعب والإجهاد فيخلدون للنوم والراحة استعدادا ليوم جديد من الركض والتعب.
ربما هناك نوادر يقضون إجازاتهم بطريقة ممتعة بالنسبة لهم وغير مكلفة أو مرهقة يبحثون عن المنتجعات والشاليهات ويقضون أوقاتهم في التصفح أو القراءة أو ممارسة الرياضة أو مشاهدة البرامج التلفزيونية. أغلب من شاهدت شخصيا أثناء السفر أو حدثوني بعد قدومهم أو سمعت عن سفراتهم يتواجدون في المولات معظم الوقت في التسوق وصرف المبالغ الطائلة لشراء الكماليات والملابس والألعاب وكأننا لا نملك أفضل الأسواق في بلادنا أو في قضاء الوقت في الفرجة على «الرايح والجاي» وتفحص وجوه العابرين وأشكالهم والملابس التي يرتدونها وألوانها وأنواع الجوالات التي يقتنونها وقد يصل الفضول لدى البعض من رواد تلك الأماكن العامة ليتعرفوا على معلومات تخص العائلات الزائرة وعدد أفرادها وجنسياتها. وقد يقع بعض المواطنين صيدا سهلا للنصابين الذين يتواجدون في تلك المواقع بكثرة.
العائلات الميسورة تسكن في فنادق فخمة جدا وشقق راقية توفر كل الخدمات التي يحتاجها السائح والتي قد تغنيه عن الذهاب للأماكن العامة لكن العائلة قد تغادر تلك الفنادق أو الشقق بعد نهاية الإجازة دون أن تستفيد من تلك الخدمات.
برنامج شيء ما شفتوه السياحي والذي تلتزم العائلة بتنفيذه تحقيقا لمبدأ «حنا مو أقل من غيرنا» يحرمها من متع كثيرة أولها متعة الاسترخاء والراحة والتفاف العائلة. ليس لدي إحصائية دقيقة عمن ينتهجون مثل هذه السلوكيات في السفر لكني أتوقع أن الأرقام كبيرة جدا!