م. خالد إبراهيم الحجي
إن لقاءات القمم للقيادات الدولية والعالمية مناسبات فريدة ونادرة ولا تتكرر إلا قليلاً، ويجب توظيفها لزيادة أواصر التقارب المشترك، وتوطيد العلاقات الدبلوماسية والسياسية، وتعزيز التعاون التجاري والصناعي بين الدول المجتمعة؛ لأن اجتماع وفود القمم، والمرافقين من الوزراء، ومجموعات النخب من رجال الأعمال والإعلاميين على منصة دولية واحدة يعزز المجالات المفتوحة في القطاعات التجارية والصناعية والأمنية المختلفة، ويذلل الصعاب التي تقف مانعاً أو حائلاً أمام فتح أبواب المجالات المغلقة. ومن هذا المنطلق تمثلت رغبة المملكة العربية السعودية في تقوية الترابط والتعاون مع بعض الدول الآسيوية، وتزامنت هذه الرغبة مع حرص كل من باكستان والهند والصين إلى ترقية العلاقات الثنائية لكل دولة منهم مع السعودية، فبادرت كل دولة على حدة إلى توجيه الدعوة إلى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لزيارتها؛ فاستجاب ولي العهد لهذه الدعوات وقام بجولته الآسيوية، فبدأ بباكستان ثم الهند والصين، وتم خلالها توقيع عدد من الاتفاقيات الثنائية والشراكات الإستراتيجية طويلة الأمد، والدخول في عدد من الاستثمارات الثنائية المشتركة بمليارات الدولارات التي تحقق أهداف الرؤية السعودية وتخدم الاقتصاد الوطني.. وبالنظر إلى القمم السعودية الآسيوية من المنظور الشامل (الجيوسياسي) نجد أنها جمعت بين جانبين متكاملين يؤثر كل منهما في الآخر ويتأثر به: أحدهما الجانب الجغرافي السياسي الذي يأخذ في الاعتبار أهمية المواقع الجغرافية الإستراتيجية للدول الثلاث وتأثيرها على العلاقات السياسية الإستراتيجية مع المملكة، والاستفادة منها لخدمة المصالح المشتركة والمنطقة والإقليم، والجانب الآخر السياسي الجغرافي الذي يأخذ في الاعتبار تطويع الخبرة الدبلوماسية والحنكة السياسية لخدمة المناطق الجغرافية. واستخدام المنظور الجيوسياسي الشامل يكشف لنا الأبعاد الإستراتيجية لزيارة ولي العهد للدول الآسيوية الثلاث التي يمكن إجمالها في النقاط التالية:
أولاً: استفادة السعودية من قوتها الاقتصادية وإمكانية تحويلها إلى قوة سياسية مشتركة مع باكستان التي تعاني من ضعف الاقتصاد، ولكنها تتميز بامتلاك القوة النووية والموقع الإستراتيجي في جنوب غرب آسيا الذي يشترك مع حدود إيران في مسافة تصل إلى (500) كم من جهة الغرب، ويشترك مع حدود الصين في مسافة تصل إلى (900) كم من جهة الشمال الشرقي.
ثانياً: تعزيز الوجود السعودي مع الهند التي تعاني من نقص البنية التحتية، وفقر الطاقة وما تزال احتياجاتها من الطاقة في ازدياد مستمر وتعد رابع أكبر مستهلك للطاقة الكهربائية في العالم، وتفتقر إلى النفط ومشتقاته المتوفر في السعودية، ومع ذلك فهي تصل إلى حد الاكتفاء الذاتي تقريباً من مختلف الموارد والمصادر الطبيعية الأخرى، وتعد من أقوى الاقتصادات الناشئة في العالم الذي يصل معدل نموه السنوي إلى (7) في المئة.
ثالثاً: التقارب والتوافق بين الزخم والقوة المتعلقة بطموحات المملكة التي تمتلك أكبر احتياطي للنفط وتعد ثاني أكبر مصدر له في العالم، وتعمل على تحقيق أهدافها بتنويع مصادر دخلها الوطني والتقدم التكنولوجي وتوسيع قاعدة التصدير، وبين الزخم والقوة المتعلقة بالطموحات السياسية الجغرافية الصينية التي تعد ثاني أكبر قوة اقتصادية في العالم وعضواً دائماً في مجلس الأمن الدولي، وتعمل على زيادة تأثيرها التجاري في العالم من خلال إنشاء شبكة من الممرات التجارية العملاقة، أطلقت عليها اسم مبادرة طريق الحزام الصيني لتكون أحد ممراتها البرية عبر الأراضي الباكستانية في المستقبل، إضافة إلى الممر البحري الحالي حول شبه القارة الهندية، طبقاً للمسار التاريخي لطريق الحرير الصيني القديم قبل آلاف السنين.
رابعاً: إن هذه الدول الإستراتيجية الثلاث لا يستهان بها وتعدادها السكاني يشكل أكثر سكان القارة الآسيوية ويمثل أكبر قوتها، وتوطيد العلاقات الدبلوماسية والسياسية، وعقد القمم والاتفاقيات الثنائية، وإقامة الشراكات الإستراتيجة والاستثمار معها يحقق الأهداف الإنمائية للمملكة، ويوسع النطاق الجغرافي للدبلوماسية السعودية في قارة آسيا، ويزيد من قوة تأثيرها السياسي على المسرح الدولي، ويزيد المملكة مساندة وتأييداً ودعماً في المحافل الدولية في حربها ضد الإرهاب الذي ترعاه إيران عبر أذرعتها الإرهابية، حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن.
الخلاصة:
إن القوة الاقتصادية والحنكة القيادية أساس القوة الدبلوماسية والنفوذ السياسي.