تبدأ صباحك وهاتفك المحمول يعج بمئات الرسائل التي لا تنقطع من مختلف الزملاء والأقارب والمعارف، فهذه رسائل من الواتس أب (في أغلبها مكرر أو معاد توجيهه)، وتنتقل إلى برامج التواصل الأخرى وتتكرر القصص والحكايات، وتتدرج هذه الرسائل ونوعيتها حسب الوقت واليوم مع تناقض في المضمون لمرسلها وكأنك تتعامل مع عدة شخصيات فأحيانا تراه المربي الحكيم، وتارة الرياضي المخضرم والاقتصادي الجهبذ وأخرى السياسي المحنك ويتنقل إلى خفيف الظل بنكاته وقفشاته ومن ثم إلى المتهكم على المجتمع، يصدر الأحكام ويعيد الأخبار والاتهامات للبشر والتشكيك بهم دون مراعاة أو خوف من ظلم الناس متناسيًا رسائله الصباحية التربوية الحاثة على الأخلاق والستر وإشاعة الفضيلة... دون أن يتحقق أو يحكم لغة العقل والمنطق قبل إرسال أي خبر أو اتهام للآخرين.
أصبح هناك نمط من المتواصلين الذين يبحثون عن البريق والتميز والتفرد وتحقيق الأسبقية في نشر الأخبار والقصص والحكايات والمعلومات دون بذل جهد بالتحقق من صدق أو منطقية الخبر أو الصور في سباق محموم لنشر الأخبار وادعاء المعرفة وأن له مصادر خاصة وعلاقات متشعبة وهو لم يتعدَ ملحق بيته وشاشة هاتفه، المهم أن يكون حاضر البريق ويفخر دومًا بأنه (يجيب العلم) رغم أن أكثر ما يرسله هي إشاعات وادعاءات وبهتان واستدلالات خاطئة المهم الحصول على البريق بتناول وتنوع الرسائل ومداومتها وتكراراها يحقق ذلك، وهم ينظرون إلى سراب ظنًا منهم أنه ماء، متناسين حديث الرسول صلى الله عليه وسلم قوله (كفى بالمرء إثمًا أن يحدث بكل ما سمع).
وانتقلت حمى البريق إلى الادعاءات العلمية والجوائز الدولية فتصلنا رسائل عن اكتشافات طبية لعلاجات لأمراض مزمنة وأدوية سحرية وجوائز علمية ومناصب دولية ونظريات اقتصادية وشهادات تصنيف واعترافات أكاديمية عالمية، تنتشر بسرعة فائقة ومن ثم يكتشف عدم صحتها أو دقتها أو أهميتها، ولكنها حققت الشهرة لمدعيها، ولعدم معاقبة من يقومون بذلك بشكل علني في نفس الوسائل التي استخدموها حمست آخرين لادعاءات وتنظيرات أملاً في تحقيق هذا البريق، فيلجأ كثير منهم لاستخدام التواريخ والأرقام والمعلومات والتعميم والاتهامات في آرائه ليثبت وجهة نظره وصحة مقولته، وعن التدقيق تكتشف أن أغلب معلوماته مغلوطة ومبالغ فيها وفي كثير من الأحيان مجتزئة ومتناقضة ومتضاربة.
قد تكون تأثيرات هذه الرسائل في نظر بعض الناس محدودة فلا ضير من ذلك، متناسين أن بعض هذه الرسائل التي لها علاقة باكتشافات طبية وأدوية لعلاج الناس تؤدي إلى نتائج صحية مهلكة، وأن إشاعة خبر عن شخص أو عائلة مدمرة اجتماعية ولا يصلحها التصحيح ونفي ما نشر، وبث إشاعة عن منشأة اقتصادية مضر ماليًّا لا يصلح معها التكذيب، وأن قصص الناس والتغرير بهم ونشر الأخبار الكاذبة لتحقيق الشهرة لهو استغلال سيئ وعواقبه وخيمة.
ولنتذكر جميعا قبل أن نعلق على حكاية أو نرسل رسالة أو نعيد نشر خبر أو نكتة أو استهزاء بأحد، بأننا جميعًا معرضين أن يحدث لنا ذلك فما موقفنا وهل البحث عن هذا البريق الخادع يستحق أن نسيء بقصد أو غير قصد للآخرين لأن ما سوف نحققه سيكون بريقًا من تنك.