د. خيرية السقاف
الدوائر التي تتحرك في الماء الراكد حين يُلقى فيه حجر لا تكون حين يُرمى فيه الحجر ذاته وهو يتحرك، لكن قطراته تتناثر بعض ذراتها للأعلى، تراها العيون وما تلبث أن تستقر في المخيلة حالة..
حالة حجر، وحالة ماء، جماد، ولدونة..
الحجر يجف من البلل وإن لم يتعرض للشمس، ولا للهواء، ويبقى بلل الماء حيث يكون..
طبيعة الجمود أن يتوحد ذاته، وإن حجز حيِّزا من مكان، وما عداه لا يتوحد بذواته، على سبيل الطارئ الهواء، والصوت..
وبينما الحجر الموجه للأعلى لا يتَّحد مع ندف الضباب، كما لا يبقى معلقا في الفراغ، يحدث أن الماء يفعل حين يصَّاعد ويندس في الجمود سحابًا، وحين يفقد جموده يسقط..
كل صلب جامد، وكل رخو مائي.. ولكليهما وجهان للمنفعة، ونقيضها..
هنا الفارق بين قلب قاس كصخر، وقلب رفيق كندى..
الإنسان ذاته الحجر، والماء..
الدم والنفس، الأنفاس والعظام..
ومع أن القلب فيه عضلة متحركة كدوائر الماء، لكن قد يكون حجرًا..
حالة حجريته، وحالة مائيته روايات طويلة تشهد لها أسفار التاريخ البشري في مراحل الأمم، مكاسبها، وخساراتها، حروبها وسلمها، وقصص الأفراد أناسًا عاشوا وبادوا، بقيت لهم آثار أو فنيت لهم أنفاس..
الإنسان حالة تتدوَّر، وتستقر، تبخر، وتسقط، تتلاشى، وتتوحد، وهو بينهما يدك الأرض، وما يلبث للفناء!!.