د. محمد عبدالله الخازم
أحد الأفكار المتداولة، ولا أعلم جديتها، تقترح تولي إشراف أرامكو على جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، ومن مبدأ ظاهرة تكليف أرامكو بأعمال عديدة رحب البعض بتلك الفكرة. لكن الأمر يتطلب فهم الأهداف والآليات التي يمكن للجامعة العمل بها تحت مظلة شركة بترولية، التعليم والتدريب بالنسبة لها ليس هدفا إنتاجيا بقدر ماهو مجرد وسيلة لدعم أهدافها. هناك جامعات تتبع لشركات أو أسستها شركات ويطلق عليها Corporate university وعادة ما تكون مهمتها خدمة أهداف المؤسسة أو الشركة التي تبنتها سواء بتأهيل الكوادر أو التدريب أو بعض الدراسات التي تخدم أهداف الشركة التي أسستها، وهذا النوع موجود في كثير من الشركات الكبرى بما في ذلك ماكدونالد وأبل وبوينق وغيرها. العاملون في مجال التعليم العالي بعضهم يرفض حتى فكرة إطلاق مسمى جامعة عليها، لأنها لا تتجاوز كونها مراكز تدريب ضخمت أسماءها. عادة تلك الجامعات أو الكليات تتركز مهامها أو تخصصاتها في مجال عمل الشركة الأم وآلية إدراتها تكون اقتصادية بحتة - أشبه بالكليات الأهلية لدينا أو أشبه بما يعرف بالطيران الاقتصادي الذي يطير وينقل الركاب ولكن بطريقة تشغيل مختلفة- ولا تسهم بشكل كبير في البحث العلمي أو خدمة المجتمع خارج شركتها. وهذا النوع من المنظمات التعليمية الجامعة لن تستقل في مجال الحرية الأكاديمية والبحث العلمي ولن تتوسع في التخصصات الإنسانية ولن تتوسع في خدمة المجتمع وستبقى محكومة بنظم وقيم الشركة التي ترعاها وتدعمها، شاءت أم أبت!
هل يراد لجامعة الملك فهد التحول إلى جامعة تابعة لشركة وتقزيمها لتصبح مثل جامعة ماكدونالد؟
هناك نموذج محلي أسس خارج منظومة التعليم العالي من الناحية المالية والإدارية ألا وهو نموذج جامعة الملك سعود بن عبدالعزيز للعلوم الصحية، ولكنه مشروع يعاني كثيراً لأنه افتقد الرؤية عند تأسيسه ولم يستطع أن يبني علاقة مؤسسية مثالية سواء مع الأم التي ترعاه، الحرس الوطني، أو مع الجهة الإشرافية، وزارة التعليم العالي. الأكيد، أن الحرس الوطني كان كريماً جداً مع جامعته الصحية وأتاح فرصة ذهبية لـتأسيس نموذج مختلف ومتميز، لكن مجرد توفير المال وحده بدون نظام ورؤية وفلسفة فكرية ليس كافياً لصنع جامعة متميزة وليس مجرد كليات تخرج مهنيين متميزين. فكرة إشراف الشركة على الجامعة تبنته أرامكو في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية بتصورها أن كوادرها الإدارية والفنية قادرة على إدارة الجامعة والنتيجة أتت دون ما نطمح لها من مؤسسة منحت كل التسهيلات الممكنة، بدليل انسحاب المدراء الذين تم جلبهم من جامعات عالمية في الاستمرار في قيادتها. من الخطأ تصور أن مجرد الخبرة الإدارية في منظومة ما - صحية خدمية أو نفطية مثلاً- تجعلك قادراً على إدارة أية منظومة في أي قطاع، كالجامعة.
هل ستضحي جامعة الملك فهد باستقلالـيتها الفكرية والإدارية لأجل دعم أرامكو المالي؟ دعم أرامكو لجامعاتنا مطلوب وواجب عليها، وبإمكانها تحويل مراكزها التدريبية إلى كليات أو جامعة تخصها، لكننا بحاجة إلى الحفاظ على كيان جامعة الملك فهد ودعم نموها كجامعة وطنية مستقلة وليس تابعة لشركة، حتى ولو كانت أرامكو!