محمد سليمان العنقري
الاستثمار في الاستقرار هو شعار القمة العربية -الأوروبية التي عقدت في مصر على مستوى القادة لأول مرة، والذي يحمل أبعاداً ورسائل سياسية واقتصادية مهمة تدل على مرحلة جديدة من العلاقات بين كتلتين تعدان من الأكبر في العالم من حيث عدد الدول، كما أن ما ميز هذه القمة الاتفاق على عقدها بشكل منتظم، والقمة القادمة ستكون عام 2022 في بروكسل، مما يشير إلى عصر جديد من التعاون فرضته الظروف والمصالح المشتركة بعد موجات من المد والجزر بين العرب والأوروبيين طوال عقود مضت، وكانت السنوات العشر الأخيرة مليئة في الصدامات وضعف الثقة بينهم.
فالكتلتان تمثلان 12 % من سكان العالم بأكثر من 800 مليون نسمة، بينما يبلغ حجم الناتج الإجمالي لهما نحو 21 تريليون دولار، أي أكثر من 25 % من الناتج الإجمالي العالمي، لكن الأوروبيين يستحوذون على الحصة الأكبر بواقع 18 تريليون دولار أمريكي بخلاف الفوارق مع الدول العربية من حيث التقدم العلمي والتكنولوجي والتفوق الاقتصادي والدور الدولي الكبير بالأصعدة كافة لصالح الأوروبيين، لكن هذا الوزن لأوروبا بدأ يتقلص مع بروز الصين وعودة روسيا للمشهد الدولي مما أشعر أوروبا بالخطر من تلاشي تأثيرها عالمياً خصوصاً أنهم كانوا يتبعون سياسة سلبية بنتائجها مع العالم العربي، فحقبة الاستعمار الأوروبي لبعض الدول العربية ليست ببعيدة ولم تنته إلا في أواخر الثلث الثاني من القرن الماضي أي قبل نحو 50 عاماً.
اليوم أوروبا تستشعر مخاطر عدة بجفائها السياسي مع العالم العربي خصوصاً بعد نشر الفوضى ببعض الدول العربية مثل ليبيا وسوريا والعراق واليمن والأحداث التي سميت مجازاً بالربيع العربي، بينما لم تكن في محصلة نتائجها سوى خراب ودمار أسهم به الأوروبيون من خلال سياستهم السلبية في عدم التعاون مع الدول العربية لإعادة الاستقرار للمنطقة مما دفع بهجرات كثيفة نحو أوروبا من دول عربية التي انتشرت بها الفوضى، إضافة لعدوى الإرهاب الذي ضرب أوروبا نتيجة الانفلات ببعض الدول العربية الغارقة بالفوضى والقريبة من أوروبا، كل هذه العوامل وأكثر فرضت نفسها ليتغير الدور الأوروبي نحو النظر الجدي والعملي بإعادة الاستقرار للمنطقة العربية وحل القضايا الشائكة والملفات العالقة فيه، والتركيز على الاستثمار في الدول العربية لإعادة الاستقرار للمنطقة.
فأوروبا اليوم تعي تماماً أن بقاء تأثيرها الدولي يتطلب منها تحركاً مختلفاً بسياستها الخارجية وإلا ستذهب الفرصة لغيرها خصوصاً الصين التي تبني وجودها الدولي بهدوء، ولعل مبادرة «الحزام والطريق» الصينية خير دليل للقيام بخلق شراكة مع أهم مناطق العالم الواعدة بالنمو والتي تحتاج للاستثمارات بهدف إعادة وتعزيز الاستقرار وتحديداً المنطقة العربية.
التقت المصلحتان العربية والأوروبية هذه المرة على واقع فرض نفسه بقوة وبات التركيز من الآن وصاعداً نحو تحقيق الاستقرار والدفع بتنشيط اقتصادات الدول العربية المنهكة بعضها من الفوضى خاصة ومع باقي الدول المستقرة عموماً مما سيوفر أرضية جيدة لنقل وتوطين الاستثمارات والتقنية الأوروبية ويعزز الشراكات بمجالات الطاقة والصناعة والزراعة والتجارة ويخدم أيضاً تحسين الحالة الاقتصادية الأوروبية الصعبة ليكون لهم أسواق ضخمة وقريبة وواعدة وتحتاج إلى استثمارات بتريليونات من الدولارات لتواكب العصر الحديث وتتحسن فيها الأحوال المعيشية وتتقلص الهجرات وتستقر هذه الدول لينعكس ذلك على العالم عموماً والأوروبيين جيران العرب بخاصة.