فضل بن سعد البوعينين
لم تكن جولة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الآسيوية عملاً سياسياً في مواجهة الضغوط الغربية؛ كما روج له الإعلام المعادي؛ بقدر ما كانت جزءًا من تحرك إستراتيجي نحو الشرق، الصين والهند على وجه الخصوص.
توثيق العلاقة التجارية والاستثمارية والصناعية والتقنية مع الشرق أحد أهم أركان إستراتيجية المملكة التي بدأتها مطلع عام 2016.
وبالرغم من محاولات دول «محور الشر» البائسة للتأثير السلبي على الجولة، إلا أن نتائجها كانت لافتة، في الجانبين السياسي والاقتصادي، وأصداءها كانت مؤثرة؛ ونجحت في إبراز مكانة المملكة إقليميًا وعالميًا، وقدرة الأمير محمد بن سلمان على التأثير الدولي وإعادة تشكيل العلاقات السياسية وتنفيذ الشراكات الاقتصادية المحققة لرؤيته الإستراتيجية.
صحيفة التايمز اللندنية نشرت مقالاً لـ «مايكل بنوين» تناول فيه جولة ولي العهد الآسيوية إلى الهند وباكستان والصين؛ ومؤكدًا أن زيارة سموه «لهذه الدول تثبت أن السعودية ينظر لها في آسيا بأنها من أهم وأقوى الدول العربية في الشرق الأوسط».
لم يرتبط الأمر بـ«آسيا»، بل تجاوزها إلى دول الغرب التي بدأت في مراجعة مواقفها السابقة للحد من التوجه السعودي نحو الشرق، ولعلي أشير إلى ما ذكرته مجلة «دير شبيغل» الألمانية من أن وزير خارجية بريطانيا «جيريمي هنت» بعث رسالة إلى نظيره الألماني، عبر فيها عن القلق من تأثير قرار ألمانيا وقف صادرات السلاح للسعودية على قطاع الصناعات العسكرية في كل من بريطانيا وأوروبا».
أعتقد أن الخوف الأكبر هو من توثيق الشراكة السعودية - الصينية التي ستعيد تشكيل العلاقات الاقتصادية والسياسية في المنطقة، وستفقد أوروبا على وجه الخصوص الكثير من الفرص التجارية والاستثمارية ليس مع السعودية فحسب بل دول خليجية وعربية أخرى.
قد يكون المستقبل نقطة إلتقاء الأهداف السعودية الصينية من خلال رؤية المملكة 2030 ومبادرة الحزام والطريق الصينية. أهداف إستراتيجية يهدف البلدان إلى تحقيقها خلال السنوات المقبلة، ومن خلال مشروعات كبرى في قطاعات اقتصادية مختلفة. حيث تسعى الصين إلى إحياء طريق الحرير، واستثمار ما يقرب من ألف مليار دولار لتنفيذ رؤيتها المستقبلية؛ في الوقت الذي تهدف فيه المملكة إلى تنفيذ رؤية 2030 لتحقيق هدف التنوع الاقتصادي، وخفض الاعتماد على إيرادات النفط المتذبذة.
ومنذ إطلاق مبادرة «الحزام والطريق»، حرصت المملكة على احتضان جزء مهم من الاستثمارات الصينية، وأن تكون إحدى محطات طريق الحرير الرئيسة، عطفًا على موقعها الإستراتيجي الرابط بين القارات، وامتلاكها مقومات النجاح، إضافة إلى تبنيها رؤية 2030 ذات الفرص الاستثمارية المتنوعة والبعد الاقتصادي الإستراتيجي.
الشراكات الاقتصادية المتينة مفتاح أمن واستقرار ورخاء المنطقة، وهو ما تحتاجه المملكة والدول الخليجية والعربية التي انهكتها النزاعات السياسية المفتعلة وأفقدتها الكثير من ثرواتها المالية والبشرية؛ والذي يعمل سمو ولي العهد على تحقيقه بكفاءة ووفق إستراتيجية شاملة ومحققة لمصالح الجميع.