عبده الأسمري
في خضم بحر لجي من التحديات والتغيرات يظل الأدب «بيان الارتقاء» و»عنوان الاقتداء» ولغة «الرقي» التي ترفع المجتمعات من أعماق «التجادل» وأقبية «الجدال» إلى آفاق «الجمال» واتساق «الامتثال».
فيما تشكل الثقافة «البشرى» الأولى للأدب ونتيجته «المثلى في سياق حياة الشعوب وفي نسق سلوكيات البشر.
نعيش واقعا أدبيا ممتلئا بالمفارقات والمقاربات نخضعه لانتقادات واسعة ونحصره في انتقاءات مختصرة ونوهمه بانتصارات موسمية.
واقعنا الأدبي متمدد ما بين الإنتاج الفردي والنتاج الجماعي وسط منصات الأندية والمجالس الثقافية المغترة بالأدلجة وحفلات التوقيع المسطرة بالبهرجة في ظل موضوعية «نادرة» تأتي على «استحياء» لترسم مشهد النقد في قوالب «الشفافية» بعيدا عن التطبيل والتبجيل والتدليل التي شوهت الواقع الأدبي ولوثته بزيف المجاملات وتزييف التعاملات.
الزخم المتتالي المخيف للمنتجات الأدبية من دواوين شعر وروايات وقصص وخواطر وحتى «سوالف الأصدقاء» و«هرجات المجالس» و«فضفضات البر» باتت تقارع النقد وتعلن التحدي على «الفلترة» الفنية و»الرقابة» المهنية التي يجب أن تحضر قبل «الرسمية» حتى نرى واقعا أدبيا احترافيا ينقذنا من «طيش» سفهاء وسائل التواصل الاجتماعي ومن «حماقة» المتثقفين الجدد ويمحو «ويلات» أمراض الشهرة الأدبية ويزيل «سوءات» أعراض العجلة الكتابية..
نمتلك ماضيا تليدا مجيدا لا ينفك عن «حاضرنا» ولا «مستقبلنا» لعمالقة الأدب السعودي الذين يجب علينا احترامهم وأن لا نسيء لأدبهم لنجاوره بتمتمات ذاتية لتكون أدبا وهميا يتمادى به «المتثقفون» و»المتثقفات» ليشوهوا منظر إنتاج أصيل كان ولا يزال سلاحنا للتنافس وكفاحنا للتفوق.
واقع الأدب لدينا يحتاج إلى مقص «الرقيب» المهني وضمير «التهذيب» الذاتي حتى لا نرى كفة الفشل راجحة فلا نستطيع مقاومة «حياد» النقاد ولا مجابهة «سداد « المداد.
لذا فنحن في مواجهة علنية مع ثورة من الإنتاج خارج أسوار التقييم وبمنأى عن سطوة «القيم» التي يجب أن تكون سلطة تستعمر الذات وتمنعها عن الخوض في «أدب» لا تعرف طرقه ولا مسالكه.
انشغلت المنصات الثقافية لدينا كثيرا بالضيوف والمناسبات والمهرجانات ولكن «سيوف» النقد بقت في أغمادها رغم خروج الألسن لتشكل سهاما في «حرب» شعواء تشتعل بين الحين والآخر بين الأكاديميين والمثقفين وبين بقايا «أسرى» معارك «التصنيفات الثقافية» في زمن مضى في ظل «عقم» ثقافي مخيف يغمر الجامعات ويستوطن المدارس.
نود أن يكون لدينا نقاد على خط «الاستذكار» لمواجهة «الاستنكار» البائس للنخبوية التي يكرسها «النقد» ويوظفها «الجد» في ميادين الأدب.
فمتى ما كان واقعنا الأدبي يسير في خط متواز من الإنتاج والتقييم لوصلنا إلى مؤشرات تجعلنا «صناع» ثقافة تؤتي «أكلها» في الفكر ووسط العقول وتأتي شاهدة على تحكيم «موضوعي» لنشر الإبداع ونثر الإمتاع بين ثنايا الكلمة وعطايا العبارة وسجايا الالتزام.
الاكتمال الحتمي والتكامل المحتوم بين الأدب والثقافة يجعلنا على موعد مع «بشائر» من النتاج العامر بالتجديد والتطوير والابتكار الغامر بالاعتبار والاقتدار حتى نرى صروحا مقامة أمام «ذوق» القراء ونحو «تذوق» الاستقراء».
ما بين واقع الأدب ووقع الثقافة ارتباط وثيق وترابط موثق يحضر في «قلب» النتاج ويستحضر كل أدوات «الاشتياق» المعرفي و»الانبثاق» العلمي لتعزف على أوتار الروح ومقام النفس لتظل جزءا من «كينونة» التعامل وركنا من «صيرورة» السلوك.
في واقعنا الأدبي العديد من الشؤون والشجون التي يجب أن تدرس وأن تحلل وأن تمضي في رحلة «النقد « لتستقر في خانة «المتون» وأن نسمو بنقدنا من حواف «الانحياز» إلى مطاف «الامتياز» حتى نجد الوقع المفترض للثقافة في كل جنبات الحياة ووسط كل مسالك العمر لتعكس فكرنا وتبرمج نهجنا وتبلور تعاملنا مع ذواتنا والآخرين.