د. خالد عبدالله الخميس
يُشكر لوزير التعليم مبادرته لتصدير قرار جريء يمنع كل أشكال الهياط المدرسي، كإقامة حفلات التخرج والشيلات وجميع صور التمظهر المزيف.
لقد عاش كثير من أولياء الأمور الوهم المزيف بإبداع أبنائهم ووصولهم لذروة المجد العلمي وذلك بسبب كثرة الحفلات والجوائز التقديرية، ناهيك عن تضخم درجات تحصيلهم العلمي. هذا الزيف على المستوى المحلي كشف زيفه مقاييس القدرات والتحصيلي، وعلى المستوى العالمي كشفته الاختبارات الدولية للرياضيات والعلوم «مقياس تيمز TIMSS».
لعل العهد الجديد في وزارة التعليم، يركز على لُب العملية التعليمة وجوهر المعرفة وينفض جميع أشكال المظاهر الزائفة والهياط التعليمي.
لعل الحرب على الهياط التعليمي على مستوى التعليم العام تمتد لتغربل الهياط التعليمي على المستوى الجامعي. ففي سابق ما مضى، نشرت مجلة الساينس Science مقالة توضح أن الجامعات السعودية لم تصل لدرجات متقدمة في مصاف الجامعات العالمية إلا من خلال وسائل ملتوية، فمثلاً انتقال جامعة سعودية من الترتيب ألفين إلى الترتيب مائتين في مقياس شانغاهي ARWU خلال سنة واحدة يضع ألف علامة استفهام. وعندما نشرت مجلة الساينس استفهاماتها للصعود المفاجئ لمراتب بعض الجامعات السعودية، ضجّت إدارات الجامعات وشنّت حملات إعلامية ضد تلك المقالة باعتبارها مؤامرة تجاه جامعاتنا. وبدلاً من أن نتقبل النقد ونحسن مخرجات تعليمنا الجامعي، بقينا في مربع الوهم ومربع الهياط.
وتدعيماً للهياط جندت الجامعات إدارات إضافية هدفها تقصي السبل والوسائل المظهرية التي ترفع من ترتيب جامعاتنا، فأنشئ في كل قسم وفي كل كلية إدارات للجودة، ومن ضمن أهدافها إلزام أعضاء هيئة التدريس بتعبئة نماذج ما يسمى بالجودة وكل أستاذ تسول له نفسه بإهمال تعبئة النماذج فإنه يُحرم من مستحق بدل النصاب التدريسي، وكانت النتيجة النهائية أن الأساتذة يحرصون على تعبئة تلك الملفات لهدف مادي بحت وليس لهدف رفع مستوى الجودة بمعناه الأصيل. ولذا يقوم الأساتذة بعمل قص ولزق لملف وتقرير المقرر لنفس نماذج الفصول القادمة، عدا أنه يغير رقم الشعبة والتاريخ وعدد الطلاب.
وللمفارقة، فإن الأساتذة المقصرين في عطائهم التعليمي هم أكثر حرصاً في تعبئة النماذج من الأساتذة المتميزين، وذلك لكي يغطي الأستاذ المقصر نقص عطائه، ناهيك على حصوله المبكر على بدل النصاب المادي.
أتمنى من وزير التعليم أن يزور غرف «الجودة» في الأقسام التي تكتنز بملفات وأوراق قص ولزق لفصول ماضية، والتي تتمظهر عند المفتشين بعلامة الجودة.
هذه الغرف كما هي خسارة أوراق فهي خسارة لجهد الأساتذة وأوقاتهم خصوصا عندما يفرغ عدد كبير من الأساتذة الأكاديميين الذين يحملون مؤهلات علمية عالية لرصد وتنظيم ورق «الجودة». وبحسبة بسيطة، فإن كان المجموع الكلي للأقسام الأكاديمية في الجامعة 200 قسم، فهذا يعني أن هنالك 200 أستاذ جامعي يُفرغ جزء كبير من جهده وعمله لصف أوراق غرفة الجودة المزعومة.
إضافة للجهد المبذول في الملفات الورقية في غرف ما يسمى «بالجودة» شجعت إدارات الجامعات حضور منسوبيها للمؤتمرات لكي تصل الجامعة لرقم متقدم في ترتيب شانغاهي، وأصبحت النتيجة، هو أن الأستاذ يندفع لحضور المؤتمر لأجل المكاسب المالية، ولو على حساب غيابه عن محاضراته الأساسية.
وهكذا تصبح الوسيلة غاية والغاية وسيلة، فبدلاً من أن تكون المكاسب المالية هي وسيلة لرفع الجودة، تصبح المكاسب المالية هي هدف بحد ذاته.
بجملة واحدة، هنالك فرق بين من يبذل كل وسيلة للحصول على رقم متقدم، وبين من يكون سلوكه الطبيعي هو من يشكل الرقم المتقدم. هناك فرق بين من يحصل على جائزة انعكاساً لتفوقه العلمي، وبين من يتتبع أقرب طريق يقوده للحصول على الجائزة.
هناك فرق بين من يتفوق في اختبار اللغة الانجليزية لكونه يجيدها، وآخر يتفوق نتيجة لمعرفته بأسلوب الاختبار.
شتان بين البطل الحقيقي والبطل المزيف، وشتان بين الهياط المشوه والأصالة الصافية.
بكلمة أخيرة: جودة الجامعات تعني جودة عقول خريجيها ومهارة منسوبيها، وليس جودة أوراق منسوبيها وأروقة مبانيها. جامعة TII الهندية من أفقر الجامعات ورقاً وأروقة لكنها أغنى الجامعات عقولاً ومهارة.
شتان بين انتفاخة الهر وصولة الأسد.