د. جاسر الحربش
الطب الحديث هو الذي يهتم بتشخيص الأمراض وعلاجها وطرق الوقاية، ويدرس في جميع كليات الطب العالمية بحسب المنهج نفسه والتطبيق، وتقبله شركات التأمين بالتعاقد بينها وبين المواطن، وتعتمده الحكومات بصفته الطب الوحيد المعترف به من قبل السلطات المسؤولة عن الصحة العامة. هذا النوع من الطب هو أهم منجزات العلوم الحديثة في التطور البشري على الإطلاق لأنه يمس سلامة الإنسان الجسدية والنفسية والعقلية. بعد ذلك يأتي الطب البديل الذي يعتمد على المجرب من الموروث الشعبي المنقول الذي ثبت نفعه في الذاكرة، ولكل شعب طبه البديل بحسب بيئته ومفاهيمه الحضارية.
استخدام هذا النوع من الطب في الدول المتقدمة المعتمدة على الصلاحيات المقننة للسلطات الصحية مشروط بإثبات عدم الضرر من تطبيقاته، ولكن لا يشترط حصول المنفعة ولا تقبل شركات التأمين التعاقد بشروطه، ولا يخضع منه للتحاكم القانوني سوى عند حصول الضرر بثبوت الخطأ الجسيم في التطبيق، أما عدم الانتفاع به فلا يؤخذ به للتقاضي.
في تلك الدول لا يجوز للوالدين ولا البيئة الاجتماعية اختيار هذا النوع من العلاج للأطفال والمراهقين وغير المكلفين عقلياً إلا بعد موافقة طبيب العائلة أو من تحدده السلطات الصحية لاتخاذ القرار. السلطات الصحية نفسها لا تطبق هذا الطب في مؤسساتها التشخيصية والعلاجية المحمية بالقانون أو التأمين الصحي.
ثم يأتي الطب التكميلي المعتمد على محاولة التوفيق (وأحياناً التلفيق) بين الطب الحديث والطب البديل، وتنطبق عليه قوانين الطب البديل المذكورة نفسها أعلاه في الدول التي لا تتعامل سلطاتها الصحية سوى بالطب الحديث.
الآن وصلنا إلى الطب الذي لا تعريف له، لأنه خلطة من كل شيء، من الإيحاء والشطارة والتجارة والأعشاب واللبخات والأعسال والتمائم والرقى، دون الاعتماد ولو في أدنى الحدود البرهانية على إثبات سبب المرض، وهل هو وراثي أم ورمي سرطاني أو جرثومي أم تسممي كيميائي أو أنه اعتلال عقلي نفسي له أسبابه البيولوجية المعروفة.
بهذا التعريف من يحدد للمريض ناقص القدرة على اختيار نوع الطب الذي يحتاجه امتثالاً لقول نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم: (يا عباد الله تداووا فما أنزل الله من داء إلا جعل له دواء، علمه من علمه وجهله من جهله). يتضح من الحديث الشريف أن المحدد للاختيار هو العلم الذي يكتسبه الدارس ويحصل فيه على شهادة الممارسة الرسمية.