عبد الله باخشوين
** عندما كنا (نهبط) من (الطايف) إلى (جدة).. لا نأتي (فرادى) لكن في مجموعات صغيرة لأن (زيارة) جدة تحتاج إلى (فريق).. ونكون من مشارب شتى.. اللي يبغى يشوف أفلام في سينما (الجمجوم) ويأكل من (شاورما جحا).. واللي يبغى يتمشى في شارع (قابل) ويشوف من يتسوقوا.. ويشوف (الخواجات) يتمشوا.. واللي جاي يشتري لأمه (حنا وبخور).. واللي نفسه يسبح في (البحر) واللي يدور على ليل (باب شريف).. وحفلات (محمد مرشد ناجي) أو حلسة (محمد سعد عبدالله).. ويشوف هاشم عبدة هاشم (من بعيد) وهو يتسكع على (دبابة الهوندا).. و:
- يحيى عمر قال (ياطرفي لما تسهر وان شفت شيء في طريقك وأعجبك شله وإن عادك غريب ما تعرف البندر إذا دخلت المدينة قول بسم الله)، يغني مرشد ناجي وأمامة (صف) من الراقصين.
ولا يطيب سماع الأغنية إلا باقتناء شريط (الكاسيت) الذي يعبر فيه (ناجي) عن عدم انسجامه للرقص ويقول لمنظم (المسرح):
- يا عاقل الرقاصين يقعدوا قليل.. معليش..؟!
صورة مثيرة وموحية.. باثرتها قلق الفنان الذي يواصل الشدو:
- اسمر مع البيض كم يحلا به المسمر
والشمع يزهى إذا شاف البها مثله
الخضر دلة وفيهم نفحة العنبر
والبيض يسلوك للسمرة وللقيلة)
أما بالنسبة لي فإن ما كان يثير مخيلتي هو ذلك الوصف الذي يحول الصورة الواقعية إلى صورة خيالية تمثل أبعادًا أسطورية أكبر من تلك التي انفتحت عليها وأنت تسمعه يقول:
- طلعت وني بزين اهيف زبيب اخضر
لابس مشجر.. ذهب والطاس والحلة
اربع يغنين وخمس ابكار تتخطر
وخمس إذا قام يلعب يمسكوا حجلة
وتنطلق مخيلتي إلى آفاق لمتزرها من قبل:
- وهو كما البدر تاكي فوق ذا المنبر
واربع وصايف لاجله قايمة قبله
المرتبة طاس الكرسي من الجوهر
نعمان لو شاهده لابد يخضع له
فقلت سيدي بك المملوك يتجور
ارحم متيم بحبك يسألك بالله
قال ابشر ابشر ولاتضني ولا تضجر
وشل هذا جبا لك مننا كله
بعد ذلك غابت هذه المشاهد والحفلات.. وغزت نفوسنا وعقولنا حمى الثقافة والأدب وأصبحت زياراتنا لجدة للقاء فهد الخليوي وعبدالله بامحرز، ولا يحلو وجودنا هناك إلا بزيارة الدكتور عبدالله مناع للاستمتاع بجمال حديثة وكرم ضيافته وبساطته الشديدة التي لا مثيل لها.