د. أحمد الفراج
منذ أمد بعيد، يتحدث البعض، خصوصًا مفكري ومثقفي اليسار، عن سقوط الإمبراطورية الأمريكية، وكان من يردد ذلك يُنعت بأنه من الحالمين، ولا يؤخذ بجدية، لاعتبارات كثيرة، ليس أقلها أن أمريكا قامت على يد نخبة من الفلاسفة والساسة المثقفين، بزعامة جورج واشنطن ورفاقه الآباء المؤسسين، جون آدمز وتوماس جيفرسون، الذي يتفق الجميع على أنه مفكر فذ، أكثر منه سياسيًا، ولا تزال كتاباته ونظرياته تُدَرّس حتى اليوم، وكذلك اليكساندرز هاميلتون وبنجامين فرانكلين وجون جي وجيمس ماديسون، وبالتالي تأسست دولة مؤسسات بدستور مميز، لا يزال خالدًا حتى اليوم، ثم ترسخت قوة وهيمنة هذه الإمبراطورية بعد الحرب العالمية الثانية، عندما صنعت فارقًا بعد هزيمة هتلر، وبدء مسيرة الهيمنة العالمية والازدهار على كل المستويات.
المفكر الفرنسي، برنارد ليفي، أصدر كتابًا بعنوان: «الإمبراطورية والملوك الخمسة»، تحدث فيه عن الإمبراطورية الأمريكية، التي أخذت زمام زعامة العالم من أوروبا، بعد الحرب الكونية، وكيف أنها اليوم بدأت تنسحب من دورها التاريخي كشرطي للعالم، وهو هنا يشير -في ظني- إلى ما حدث في عهد الرئيس أوباما، عندما جنح للسلام، ومد كلتا يديه إلى إيران، التي استغلت رغبته في تحقيق إنجاز تاريخي، فحصلت على الاتفاق النووي، والأموال الطائلة، التي استثمرتها في التوسع، وإنشاء تنظيمات إرهابية، تعمل كأذرعة لها في العراق وسوريا واليمن، وأيضًا يشير إلى خطوط أوباما الحمراء في سوريا، التي استثمرها زعيم الكرملين للتموضع في سوريا، بل وفي كامل منطقة الشرق الأوسط الملتهبة والمهمة، كما أن ليفي يشير أيضًا إلى فلسفة ترمب في السياسة الخارجية، التي شعارها التقوقع و: «أمريكا أولاً»، وأن أمريكا ليست مسؤولة عما يحدث في هذا العالم.
يرى ليفي بأن هناك خمس إمبراطوريات سابقة، تتابع حاليًا ما تراه ضعفًا في الإمبراطورية الأمريكية، وتعمل بكل طاقتها لوراثة هذه الإمبراطورية، وهذه الإمبراطوريات الخمس هي الصين، وروسيا، وإيران، وتركيا، والإسلام السني الراديكالي، وأظنه هنا يقصد تنظيم الإخوان المسلمين، ولا شك أن حديث ليفي فيه الكثير من الصحة، فمن يتابع حراك هذه القوى الخمس، لا يشك لحظة في طموحاتها التوسعية، وسعيها الحثيث لإعادة تاريخها الإمبراطوري السابق، فالصين تعمل بصمت، وتكتسح العالم اقتصاديًا، وهو الأمر الذي أقلق الرئيس ترمب، وأدخله معها في نزاعات كبرى، لا نزال نشهد فصولها، أما روسيا بوتين، فيكفي تدخلها في الانتخابات الأمريكية السابقة، ثم تدخلها في سوريا، وإيران تحتل أربع دول عربية حاليًا، أما تركيا أردوغان، فهي لا تخفي أحلامها في إعادة تاريخ الخلافة العثمانية، ومثل ذلك يقال عن التنظيم الدولي للإخوان، فهل حقًا هناك أمل في سقوط الإمبراطورية الأمريكية؟!. سأعود للحديث عن ذلك!.