د.محمد بن عبد العزيز الفيصل
في شهر أبريل من العام 2016م، أجرى الزميل تركي الدخيل لقاءاً عبر شاشة قناة العربية مع سمو ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان أكد من خلاله أن المملكة تمتلك ثلاث نقاط قوية لا ينافسها عليها أحد، تتمثل في العمق العربي والإسلامي، والقوة الاستثمارية، والموقع الجغرافي، وفي هذا السياق قال سموه: «جسر الملك سلمان سيكون أهم معبر بري في العالم، وسوف يوفر فرصاً ضخمة للاستثمار والبناء، فاستثمار الموقع الجغرافي سيجعل البضائع تمر من خلال السعودية بمئات المليارات»، وفي ثنايا اللقاء أكد سموه أن عام 2015م كان عام الإصلاح السريع، وأن الإصلاحات استمرت في العام 2016م ولكنها ممنهجة ومخطط لها، مضيفا أن الملك سلمان عمل عملاً قوياً لهز رأس الهرم في السلطة التنفيذية».
ومنذ العام 2016م وحتى العام 2019م، والمملكة تسير بخطى ثابتة نحو تقليص العجز، وتعزيز الإنفاق، في ظل تراجع أسعار النفط، حيث أعلنت المملكة عن أضخم ميزانية في تاريخها هذا العام الجاري، وواكب ذلك زيادة في الإيرادات غير النفطية، ولعل ذلك من أبرز النقاط التي أشار إليها سمو ولي العهد في لقائه؛ وبهذا تتجه المملكة بقوة وثبات نحو تحقيق أهدافها التنموية التي أعلن عنها سموه منذ انطلاق رؤية المملكة 2030، التي تضم العديد التطلعات والرؤى المستقبلية الطموحة.
تطرق سمو ولي العهد في لقائه إلى قضية مهمة جداً وهي استثمار موقع المملكة جغرافياً واقتصادياً، فهي تربط بين ثلاث قارات، ويمثل هذا الاستثمار الطَّموح مشروع نيوم الذي يشكل النواة الاقتصادية لهذه الرؤية الصاعدة، لذا فالمطلوب هو الانفتاح الاقتصادي والاستثماري على كافة أنحاء العالم وبالذات الشرق الذي يمثل القِدح المُعلّى في خريطة الاقتصاد العالمي، ويبلغ هذا المشروع الاستثنائي أسمى درجاته عندما أعلن الأمير الشاب عن دعم استثمارات سعودية في باكستان -الدولة الإسلامية النووية الصناعية الفتية- بقيمة بلغت عشرين مليار دولار، وبذلك تعزز المملكة من حضورها في الشرق، لتؤكد على مهمتها الريادية السامية في دعم قضايا المسلمين انطلاقاً من العمق العربي والإسلامي الذي تحظى به المملكة؛ والذي بوأها زعامة العالمين العربي والإسلامي، ولم يقف هذا الدعم عند حدود الاقتصاد فمن أهداف هذه الجولة الآسيوية التي شملت الهند وباكستان السعي إلى تخفيف التوتر بين الجارتين النوويتين، وبذلك تتجلى أيضاً مسؤولية المملكة الريادية في تعزيز السلم والأمان العالميين، ولا تقل الهند من الناحية الاقتصادية عن جارتها باكستان، فقد أثمرت زيارة ولي العهد عن توقيع العديد من الاتفاقيات الاستثمارية بين الطرفين إلى جانب عقد شراكات في مختلف المجالات التنموية مع الجانب الهندي من أبرزها التعاون في مجالات: البث الإذاعي والتلفزيوني، والسياحي، والإسكان، كما شهدت الزيارة الإعلان عن انضمام المملكة، إلى التحالف الدولي للطاقة الشمسية، وهي من أبرز الخطى المصيرية والجريئة التي أقدمت عليها المملكة مؤخراً.
وتشكل المحطة الأخيرة في جولة سمو ولي العهد الآسيوية النقطة الأهم، والأكثر تأثيراً في المشرق؛ إذ تمثل الصين جزءا مهما في المشاريع المستقبلية التي تتبناها المملكة، والتي نصت عليها رؤية 2030، فالصين من أكبر الشركاء التجاريين للمملكة حيث بلغ معدل التبادل التجاري بين البلدين خلال العام المنصرم 2018م، ستة وأربعين مليون دولار، والمملكة تطمح إلى رفع التعاون بين البلدين، ولا أدل على ذلك من إبرام المملكة لاتفاقية بشأن إنشاء مجمع للتكرير والبتروكيماويات، إلى جانب تخصيص جائزة باسم (الأمير محمد بن سلمان)، لتعزيز التعاون الثقافي بين البلدين، الذي يمثله تعزيز انتشار اللغة العربية في الصين وإقرار اللغة الصينية في مناهج التعليم في المملكة، وتمثل هذه الجائزة إحدى أهم أهداف رؤية المملكة 2030، ومبادرة طريق الحزام الصينية، وعبر هذه الرؤية والمبادرة سيرتفع مستوى التعاون بين المملكة والصين في كافة المجالات وشتى الأصعدة.
وبعد نجاح هذه الزيارات المؤثرة التي قام بها سمو ولي العهد لأقطاب القوى المهيمنة على شرق العالم والتي عكست مكانة سموه على المستوى العالمي، وأهمية الأدوار التي تقوم بها المملكة، وتأثيرها على الصعيدين السياسي والاقتصادي، وتصميم الأمير محمد على تحقيق الأهداف التنموية التي أعلن عنها في العام 2016م؛ يحق لنا نحن السعوديين أن نفتخر بهذه الشخصية الاستثنائية الشابة التي تحقق في كل يوم نجاحات مبهرة؛ فها هي أحلام السعوديين تتحقق مع كل يوم تسطع فيه الأشعة المشرقة على رمال هذا الوطن الذهبية، فلا يملك أبناء هذا الوطن المعطاء إلا أن يرددوا: «فوق هام السحب يا أغلى وطن».