سام الغُباري
يقال -والقول لغريب متذمر- إن «سلطان عُمان» تجوّل صبيًّا في شوارع عدن، مُطلِقًا زفرة حارة على بلاده التي كانت تعاني أزمة اضطراب حاد.
زفرات اليمنيين اليوم تتصاعد بحرقة.. أين عدن؟ وكيف أصبحت مسقط؟ أين دُبي التي كتب عنها محمد بن راشد تفاصيل شائقة في كتابه الجديد «قصتي»؟ وأين نحن؟ سؤال لن يجب عنه سوى «عبدالملك بدر الدين» وقد عزم على أن يقذف اليمنيين إلى أخدوده الخاص؛ ليُشبع ولعه التاريخي بإضرام النار فيهم! الكارثة أن «المذكور آنفًا» لا يجد لحروبه العنصرية نهاية؛ لا يستطيع إيقاف مدفع، أو إسكات بندقية، أو مواساة عائلة.. فقط يريد القتل إلى ما لا نهاية.
ضجت مكتبات اليمن الجمهوري بمئات الكُتب التي كانت تهمس سرًّا في أكباد العنصريين لاستثارة نسبة الأدرينالين فيهم. تعمدت تلك الكتب اختراع عدو افتراضي لسُلالة ادّعت على الدوام حقها الوجودي القاهر في الحُكم والثروة منذ أول شحنة فارسية وصلت حدود اليمن برًّا وبحرًا، وسرعان ما أعلن المستوطنون الجُدد أنهم أنصاف آلهة، وأن الإسلام الذي يعتنقه السكان الأصليون في جنوب الجزيرة العربية لا يوافق معايير الثقافة الساسانية القائمة على تمجيد الحاكم وعِصمته، ثم أفرط المستوطنون في نظرياتهم أن حصروا الحُكم فيهم، واستلّوا سيف الغلبة والقهر على اليمنيين المنهمكين في تزيين جبالهم بمدرجات زراعية خضراء.
من هناك بدأت جرائم الإبادة الجماعية، يرافقها تدمير شامل لكل مظاهر الحياة السياسية والحضارية والفكرية لليمنيين. احتفل السفاحون بجرائمهم كأنها أعمال سينمائية مشوّقة.. دوَّنوا تلك المذابح بفخر! كانت مباراة صيد مفتوحة، وعلى الضفة الأخرى اصطف المؤيدون بجذل عارم مهنئين «القاتل» على حفلات الإعدام الجماعي، وأطلقوا عليه لقب «الإمام» في احتيال لغوي مزعج لمتهم مضرج بالدم، وحوله تدور الرؤوس المُقطّعة بسيوف أنصاره المرتزقة الذين جلبهم من أدغال خراسان.
كان انتقامًا سافرًا لحكايا المهلب بن أبي صفرة، اليماني الذي تسرده الأسفار ببهجة واحترام، وغضبًا هادمًا لقصور تُبع الأذواء، وطمسًا لمعالمهم وإرثهم ووجودهم، وإخفاء لأنسال المُلك اليماني العظيم. لم تنتهِ رقصات الموت الجشع بانتهاء الأئمة الآثمين، صار الأمر ولعًا يتناقلونه جينيًّا، ويثيرون أغبرة عاتية على كل منتقديهم ودعاة الإصلاح والوئام.. ثم تفرغوا في تضليل الوعي اليمني بحشد من الوراقين المُستَخدَمين لتجميل وجه القاتل، وتدعيم سيفه الحاد بفتاوى أباحت له الدم الحرام.
في معركة اليوم التي تطحن روح اليمنيين وعظامهم جريمة أخرى تدور في فلك الموت القاني، عذاب لا نهاية له، عقاب بلا جريرة، ووراقون جُدد يدونون لحظة انفصال الروح الجائعة عن الجسد الهزيل، استنفار خبيث لقمع أي كاتب، وتشويه كل مؤلِّف، وإحراق كل مُؤلَّف.. تلك الكلمات الحية تقتلهم؛ لأنهم لا يملكون دليلاً واحدًا على حياة أسلافهم سوى الشعوذة وأساطيل السحر وكتائب المسطولين.
إننا نقاتل كي تعود شجرة البُن إلى بلادي، وتختفي الألغام وصور الموت وخرائب الفعل السُلالي العنصري الآثم.. إننا نقاتل كي نعيش.. لقد قاتل الأنبياء من أجل السلام، أراقوا دم المشركين؛ لأنهم ظلمة جبارون وسفاحون.. صور كثيرة في هذا الكون لا تقبل أن يتعالى جنس على آخر، أو عِرق على ما سواه؛ الناس سواء، والإنسانية لغة حية لا تموت، حياة تهزم أباطيل البكائين والمهزومين والميتين في قبورهم.
أرادونا حَمّالة نعوش أسلافهم فأبينا إلا أن نحمل العرش اليماني إلى المجد، ونستقر به في سدرة الكون حميريًّا سبئيًّا مؤمنًا حنيفًا مُسلمًا. والله مولانا، ولا مولى لهم.