صيغة الشمري
فوجئت قبل أيام بحلقة لمذيع مثقف أحسبه على خير، كان يستضيف أحد أساتذة الأدب العربي، وفي منتصف الحلقة، وجَّه المذيع سؤالاً لضيفه لا يُصح أن يخرج من مذيع واعٍ يعرف ما يقول ويعرف أبعاد أسئلته ومراميها. المذيع سأل عن إمكانية الانسجام بين الخطاب الديني والخطاب القبلي وكيف يمكن توظيفهما والمزج بينهما بشكل إيجابي لمصلحة المواطن، قائلاً إن هناك حالات كان يتم فيها المزج بين الخطابين بشكل سلبي، مستشهداً بحركة جهيمان العتيبي التي قضي عليها في نهايات عام 1979، معتبراً أن الحركة وظفت الخطاب القبلي ومزجته بالخطاب الديني لخدمة أغراضها ومساعيها. ففي مثل هذا التوقيت الذي نسعى فيه جميعاً للحمة الوطنية وتذويب كل الانتماءات عبر انتماء وحيد وحقيقي وهو الانتماء للوطن، يأتي هذا المذيع بسؤال غير مهني، حيث فاته أن القبيلة في المثال الذي ذكره لم تتضامن بأي شكل من الأشكال مع هؤلاء الخوارج الذين اقتحموا الحرم المكي وعاثوا فيه فسادًا، بل تبرأت منهم وأنكرت عليهم أفعالهم، أضف إلى ذلك أن تلك المجموعة ضمت آخرين من غير المنتمين لقبيلة بل من بلدان أخرى، فكيف له الزعم أن الحركة اعتمدت على الخطاب القبلي ومزجه بالخطاب الديني؟! حقيقة لا أخفي شعوري بالدهشة من قيام مذيع مثقف بإقحام القبيلة في مثل هذه القضية، فبسؤاله المستغرب ذاك، يلفت المذيع نظر القاصي والداني لمسألة شائكة نسيها الكثيرون، وينكأ جرحاً كاد أن يندمل، وكأنه يعطي الموتورين كرة ثلج صغيرة سرعان ما ستكبر وتتضخم مدفوعة بأصحاب الأهواء والأغراض ليفجر قنبلة جديدة بين القبلي وغير القبلي. إن السؤال الصادم للمذيع ينسف جهودنا جميعاً للم الشمل وإذكاء روح المواطنة والوحدة، ويعطي البعض سبباً للصراع القبلي وخلفية تاريخية مزعومة تمهد لهذا الصراع غير المبرر أو المفهوم!
إن على الإعلاميين مسؤولية ضخمة، بحكم كونهم رأس الحربة في مساعينا لنشر الوعي والمواطنة، وتفرض هذه المسؤولية عليهم أن يكونوا شديدي الحذر عند طرح قضاياهم ومناقشتها وأن يلتفتوا للكلمات التي قد تهدم أكثر مما تبني.