محمد سليمان العنقري
زيارة ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان لباكستان والهند والصين حملت أكثر من رسالة مهمة لتوجهات الشراكة الاقتصادية للمملكة مع العالم، فبعد عديد الاتفاقيات مع دول الغرب يأتي الدور الآن على شرق العالم وأهم الاقتصادات نمواً خصوصاً الصين والهند، ويلاحظ أن الشراكات خلال هذه الزيارة كان للاستثمار في مجال النفط وخصوصاً التكرير حضور ثابت مع كل تلك الدول حيث سيقام بكل دولة مصفاة تشارك بها شركة «أرامكو» مما يعني حفاظاً على حصص ثابتة لصادرات المملكة النفطية لتلك الدول دون أي تكاليف تسويقية باعتبار أن هذه المصافي ستعتمد على النفط المصدر من المملكة.
لكن ما أهمية تلك الدول في عديد من المسارات التي تخدم المملكة في تحقيق أهداف رؤية 2030م، أن الإجابة على هذا السؤال المهم بالتأكيد تتطلب عمل تقارير وأبحاث تتناول كافة الجوانب السياسية والاقتصادية وغيرها من المجالات التي سيتم التعاون لإنجازها من خلال الشراكات التي تم التأسيس لها بالاتفاقيات الموقعة خلال هذه الزيارة، لكن الملفت هو تأصيل هذه العلاقة مع تلك الدول لتتناول جوانب ثقافية مما يعني أن المستقبل يحمل معه شراكات إستراتيجية واسعة مع تلك الدول.
فالمملكة رغم أنها ترتبط مع الدول الثلاث بعلاقات تجارية كبيرة تقدر بمئات المليارات من الريالات لكن النظر لواقع ومستقبل تلك الاقتصادات يغري بالمزيد من الشراكة والحضور بأسواق تلك الدول وكذلك التعاون بمجالات عديدة خصوصاً التقنية، فالصين هي ثاني أكبر اقتصاد عالمي بحجم 12 تريليون دولار، والهند رغم أنها بالمركز السابع عالمياً لكن يتوقع لها أن تصل للمركز الخامس قريبًا وسيصل حجم ناتجها المحلي عام 2025م إلى 5 تريليونات دولار ارتفاعًا من نحو 3 تريليونات حالياً، لكن الأهم بالنسبة لنا أن نمو الطلب على النفط بالدولتين هو الأعلى عالمياً وسيتضاعف استهلاكهم من النفط خلال الخمسة عشر عاماً القادمة ليقارب 30 مليون برميل يوميًا للدولتين، ولذلك فإن السعودية رغم أنها أكبر مصدري النفط حالياً لهما لكن زيادة حصتها بهذه الأسواق الواعدة يعد إستراتيجية لا بديل عنها، فالصين تستورد نحو 13 % من استهلاكها من المملكة، وكذلك الهند بالنسبة نفسها أو تزيد، كما أن الصين تستهدف مضاعفة نصيب الفرد من الناتج الإجمالي ليصل لأكثر من 12 ألف دولار ارتفاعًا من 6000 حالياً، والهند تنوي القيام بالهدف ذاته، فهي من أقل الدول من حيث نصيب الفرد من الناتج المحلي بما يقارب 3000 دولار، وهو ما يعني زيادة كبيرة في الطلب على السلع وتحسين كبير لقدرة الفرد في تلك الدول من حيث الاستهلاك، وبالتأكيد سيرتفع الطلب على الطاقة كثيراً وعلى السلع والمنتجات النهائية التي تعتمد على مشتقات النفط.
قد لا تكون المساحة واسعة لشرح كل الجوانب المهمة بالاتجاه للشرق إلا أن العالم بكل تأكيد يتجه لهذه المنطقة الواعدة جداً بالنمو الاقتصادي، فعدد سكان الدولتين يمثل 40 % من عدد سكان العالم إلا أن احتياجاتهم تزداد بنسب كبيرة سنوياً من الخدمات والسلع وتكاد تلك الدولتين تبتلعان أغلب الاستثمارات الأجنبية عالمياً نظراً لضخامة أسواقهما والتوقعات الإيجابية لتكونان من بين أكبر ثلاث اقتصادات بالعالم مع أمريكا بحلول العام 2030م، وهو ما يتطلب الحضور القوي والمبكر بأسواقهما وبشراكات عميقة، فالأهم هو اتجاه كل من الصين والهند لتحسين دخل ونصيب الفرد من الناتج المحلي مما يعني طلباً ضخماً على السلع والخدمات، وكذلك شراكات مع المملكة تعود عليهما بالاستقرار في إمدادات الطاقة ومشتقات النفط من البتروكيماويات تحديداً، وهو ما سيمثل مصلحة عليا للمملكة بتحقيق أهدافها من خلال فتح شراكات واسعة تبنيها مصالح مشتركة مع تلك الدول المهمة ستسمح بالمقابل بنقل وتوطين التقنية وجذب الاستثمارات لسوقنا بقطاعات رئيسة كالتعدين والصناعات التحويلية والعديد من أوجه التعاون والشراكات.