د.عبدالله مناع
فجأة.. ودون مقدمات تتفق وأهمية مؤتمر عن (السلام والأمن في الشرق الأوسط)!! تم الإعلان عن انعقاد هذا «المؤتمر».. بل وافتتاح أعماله في يومي الثالث والرابع عشر من شهرنا الحالي -فبراير- في العاصمة البولندية «وارسو»، التي كانت مقرًا للحلف العسكري الاشتراكي الماركسي بقيادة «الاتحاد السوفييتي».. لمواجهة «حلف شمال الأطلسي» -أو الناتو- في مقره بالعاصمة البلجيكية «بروكسل» بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.. في ذروة الخلاف بين (معسكري) الاشتراكية والرأسمالية، الذي انتهي في أوائل تسعينات القرن الماضي بسقوط «الاتحاد السوفييتي».. على يدي (ميخائيل جورباتشوف) فـ «بوريس يلتسين» سكرتيري الحزب الشيوعي السوفييتي آنذاك.. قبل أن ينتهي على يد الرئيس الأمريكي «جورج بوش» -الأب-، وكأن الرئيس «دونالد ترامب».. صاحب الدعوة لهذا المؤتمر.. أراد باختياره «وارسو» مكانًا لانعقاد هذا المؤتمر.. توجيه (إهانة) سياسية جديدة للرئيس «فلاديمير بوتين» -رئيس دولة روسيا الاتحادية- الذي يحاول بجدية ودأب استعادة الدور السوفييتي مجددًا في الساحة الدولية، إلا أن الرئيس «ترامب» لم يقم بشيء آخر.. خدمة لنجاح هذا المؤتمر.. إلى جانب اختياره مدينة وارسو «موقعًا»، وشهر «فبراير».. «تاريخًا» لانعقاده.. عبر تلك الرسائل الإلكترونية التنديدية التي بعث بها على موقعه أو حسابه في «تويتر» إلى (إيران) في ذكرى مرور أربعين عامًا على قيام «ثورتها الإسلامية» - في فبراير من عام 1979م- ضد صديقها، وحليفها ورجلها الأول في «الخليج»: الإمبراطور «محمد رضا بهلوي».. دون أن تفعل شيئًا لإنقاذه منها.. رغم توسلاته لها واستنجاده بها.. بـ«قوله»: (أربعون عامًا من «الاضطهاد»، وأربعون عامًا من «الإرهاب»، وأربعون عامًا من «الأكاذيب والتضليل»)...!! إلا أن هذا «التنديد» الذي سبق انعقاد المؤتمر في «وارسو».. بحشد ستين وزيرًا من وزراء خارجية الدول الحليفة والصديقة لـ«واشنطن».. لـ«حضوره» كشف عن أول وأهم بنود جدول أعمال هذا «المؤتمر».. المتمثل في دعوة حضوره لوضع (إستراتيجية تكوين «تحالف» لوقف أنشطة إيران المزعزعة لاستقرار المنطقة ومحاربة الإرهاب، وبحث ملفات المنطقة).. تحت عنوان كبير مقصود هو مناقشة (السلام والأمن في الشرق الأوسط).. وقد كان طبيعيًا أن تشارك المملكة في أعمال هذا «المؤتمر» كما شاركت «مصر» ودولة الشرعية اليمنية من خلال وزيري خارجيتهما.. لأننا أول امتضررين من المحاولات الإيرانية في زعزعة استقرار المنطقة.. من خلال دعمها لـ(الحوثيين) الانقلابيين على الشرعية اليمنية بـ(السلاح) والعتاد والصواريخ (البالستية)، التي لم يتوان الحوثيون عن استخدامها وتوجيهها إلى مدن الحد الجنوبي للمملكة في «نجران» و»جيزان»، بل إلى مدينة «أبها» البعيدة عن ساحات المواجهة العسكرية.. ردًا على وقوف المملكة إلى جانب (الشرعية اليمنية)، ومبادرتها الخليجية ومخرجات (حوارها الوطني اليمني الشامل)، وقرار مجلس الأمن الدولي (2216)، وقد أعرب وزير الدولة للشؤون الخارجية الأستاذ عادل الجبير.. في ختام أعمال المؤتمر بـ«دبلوماسية» يستوجبها منطق المؤتمرات عن (أمله في أن تعدِّل إيران سياساتها، وتحترم القوانين الدولية ومبدأ عدم التدخل في شؤون الدول، ومبدأ حسن الجوار معها، وأن تكف عن دعمها الإرهاب وتسليم الصواريخ البالستية للمنظمات الإرهابية).. وفي مقدمتها «جماعة أنصار الله» الحوثية!
لكن.. وبعيدًا عن اختيار موقع انعقاد المؤتمر في العاصمة البولندية «وارسو».. ليذكر -دون وجه شبه- بـ«مؤتمر» العاصمة النرويجية «أوسلو» ومحادثاتها الإسرائيلية - الفلسطينية السرية، التي أقامت أول سلام فعلي بين الفلسطينيين وإسرائيل.. تم توقيعه في سبتمبر من عام 1993م بحديقة البيت الأبيض الخلفية بمشاركة الزعيم الفلسطيني -الشهيد- ياسر عرفات، والزعيم الإسرائيلي إسحاق رابين ـ ورعاية الرئيس الأمريكي الأسبق «آنذاك» بيل كلينتون ـ الذي تم اغتياله فيما بعد عام 1995م على يد المتطرفين والمستوطنين الإسرائيليين.. فقد وقع هذا «المؤتمر».. العاجل والسريع والكثيف في حضوره في أكثر من «مشكلة».. أولها: قصر وقته، وثانيها تعدد بنود جدول أعماله وكثرتها.. فإلى جانب وضع إستراتيجية تحالف يوقف أنشطة «إيران» المزعزعة لاستقرار المنطقة.. كانت هناك قضايا أخرى: كـ (محاربة الإرهاب) وتمويله، وملف المساعدات الإِنسانية واللاجئين والأسلحة البالستية، والجريمة الإلكترونية، وملء فراغ الانسحاب الأمريكي من سوريا).. وهي قضايا تحتاج إلى أيام للبت فيها.. ولا تكفيها تلك الساعات الثمانية والأربعون...!! ليكتشف المتابعون لـ(مؤتمر وارسو) أو مؤتمر الثمانية والأربعين ساعة هذا.. أن لـ(المؤتمر) أجندتين شبه سريتين: الأولى.. هي حمل الدول الأوروبية العظمى، التي تملك حق استخدام (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي.. على سحب توقيعها من الاتفاق (النووي) الإيراني الذي تم بحثه من قبل -تلك- الدول العظمى مضافًا إليها ألمانيا واليابان.. على مدى ست سنوات قبل توقيعه من قبلها جميعًا، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية نفسها أيام الرئيس السابق «باراك أوباما».. إلى أن جاء الرئيس دونالد ترامب إلى المكتب البيضاوي وسحب توقيعه المؤيد للاتفاق النووي مع إيران، فأراد أن تفعل الدول الأوروبية الحليفة والصديقة للولايات المتحدة الأمريكية الشيء نفسه من خلال مؤتمر «وارسو».. بإقناع الخارجية الأمريكية لـ «الدول الأوروبية» كـ»بريطانيا» وفرنسا وألمانيا.. وربما بـ(مساومتها)، وهو أمر يصب بداية في صالح دعوة المؤتمر إلى إستراتيجية تحالف جديد يوقف أنشطة إيران المزعزعة لاستقرار المنطقة إن كان بتدخلها في «اليمن» أو في العراق أو في سوريا ولبنان! لكن الكلمة الفصل في هذا «الانسحاب» الأوروبي.. من عدمه، الذي تسعى إليه الولايات المتحدة.. إنما يعود لـ(موازين) المصالح الإسترايجية الأوروبية وليس لـ(مجاملة) الرئيس «ترامب» بالحذو حذوه فيما فعل...!! وخاصة أن التجديد للرئيس دونالد ترامب.. لدورة ثانية في البيت الأبيض لم يعد مؤكدًا في ظل النزاعات التي أخذ يشهدها النصف الثاني من دورته الأولى.. مع الكونجرس الأمريكي...!!
أما الأجندة الثانية لـ(المؤتمر).. فقد تداول عشية انعقاد المؤتمر وفي الساعات الأولى من انعقاده بأن الإدارة الأمريكية ستكشف عن بعض بنود ما يسمى بـ(صفقة القرن)!!، إلا أنه أشيع عبر مصادر إعلامية في «المؤتمر»، بأن تلك البنود التي ستكشف عنها الإدارة الأمريكية في «المؤتمر».. لا تخدم حل الدولتين ولذلك امتنعت السلطة الفلسطينية عن حضور «مؤتمر وارسو».. لكن وزير الخارجية عادل الجبير أوضح في تغريدة له على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» أن مؤتمر وارسو تناول القضية الفلسطينية وأنه أوضح موقف المملكة الثابت تجاه القضية المبني على مبادرة السلام العربية.