د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
أرى أن موضوع القيادة مُفْتَتَحٌ واسعٌ لتحقيق الأهداف والنتائج المجزية؛ ويجب أن يحتل أوصال الأحاديث وبكثافة؛ وأن تُحشد له الأقلام وتُقام له منصات البحث، ولقد استحضرتُ جملة من أشراطها التي دائماً ما أضمرُها عندما تقابلني الهِنَات التنظيمية والعثرات التنفيذية والنواتج الهشة.
أما وقد تعالتْ الأصوات في العصر الحديث بالنظريات الحديثة حول صناعة القادة وخاصة التنفيذيين منهم والتي تمخضتْ عن دراسات احتشدتْ بها الأبحاث؛ ولكن الدراسات لم تفلح في صيد مجز يلفتُ الانتباه، إلا من التنظير الخالي من الروح، فمازلنا نتلمس الوصول إلى تشكيل مقنع يجيب على تساؤلاتنا عمن هو القائد الناجح ذو الدراية والدربة والمعرفة والإمكان والتمكن؟.. ومن يملك الصفات الجلية القابلة للقياس والحكم؟.. ومن هو القائد الذي يخلق القوة التي تحقق الرؤية العامة للمؤسسة؟.. ومن هو القائد الذي يبني الممارسات الجديدة التي تؤدي إلى تحسين الأداء العام؟.. ومن هو القائد الذي يساعد من يقودهم لتطوير الإحساس بمعاني المهام ومتطلباتها؟.. ومن هو القائد الأكثر مشاركة في كل الأدوار لاستثمار الطاقات الساكنة عند مرؤسيه؟.. ومن هو القائد بعيد النظر الذي لديه القدرة أن يُدرك الصورة الكلية الشاملة عند حل المشكلات فيربط بين الظواهر والأسباب والمقدمات والنتائج؟.. ومن هو القائد الذي يدرك أبعاد القرارات الإستراتيجية؟.. ومن هو القائد الذي يتبنى رؤية واضحة لتطوير العمل ويملك الإقناع والتأثير؟.. ومن هو القائد الذي يستطيع باقتدار وكفاءة التعامل مع العوائق التنظيمية وحلحلتها؟.. ومن هو القائد الذي يملك روح المبادرة المنتجة ذات النَفَس الطويل التي تقول وتفعل؟.. ومن هو القائد البارع في تفعيل الطاقات البشرية وكافة موارد العمل بكفاءة في اتجاه تحقيق الأهداف؟.. ومن يستطيع أن يستفيد من الهبة العظيمة التي منحها الله سبحانه للبشر كونهم كذلك؛ وليس كونهم آلات يدفعهم قسراً لأداء مهامهم؛ فلربما تكسرتْ أجزاء الآلة قبل إتمام المهمة؟!.
أما تاج أشراط القيادة فهو التمسك بثوابت أخلاقية عالية كالإخلاص والانضباط والأمانة وتغليب المصالح العامة على الـ(أنا) الفردية وتحقيق العدالة والحرية في نطاق مسؤولياته!.. تلكم بعض التساؤلات التي أصبح واقعنا اليوم وكأنه يمجها!.. كما يتقاطع الواقع أيضاً مع نظريات القيادة ويُسفرُ عن ضعف في بناء الكفاءات القيادية، وهذا مما يحد ويحجّم من التفاعل الصحيح المفضي إلى الإنتاجية.. فمن الأولويات التركيز على قناعات القيادات التنفيذية ومستوى تلك القناعات؛ ومن خلال ذلك يمكن اكتشاف مواطن الضعف ومن ثم إعادة النظر في خطط الإحلال الوظيفي في الهياكل الإدارية التنظيمية وبالتالي تحزم الإستراتيجيات في موضوع تكليف القيادات وضخها في مفاصل الأعمال للمحافظة على النواتج غير المعطوبة وضخ الاستثمارات المجزية بعد التصحيح؛ بمعنى نقل وسائط العمل من التطبيقات الحالية إلى استشراف المستقبل من خلال تطبيقات أحدث، وأساليب قيادية ذات مردود وجدوى.. والوصول بالمؤسسات إلى أقصى الاحتمالات الممكنة لقدرات المنفذين لإيمان القادة بوجود مواهب وطاقات يجب أن تستغل وتستثمر.
والختام: إن القيادة فن ودربة وخبرة وعروق نبتت في عقول ملهمة مختلفة النسيج؛ ولها من سطوة الإقناع ما يلامس الأعماق لتهفوا للانضمام إلى ركاب القيادات المؤثرة.
ولمّا أننا اليوم نتفيأ عهداً زاهراً ونملك كل الأدوات والمعدات والموارد البشرية؛ فلابد من وجود قيادات تنفيذية ملهمة تنقل مخرجات التنفيذ من الأدنى إلى الأعلى ومن المعتاد إلى العبقرية.. ومن الظل إلى الآفاق الرحبة. ولعل هذا الموضوع جدير بضم إستراتيجياته ومحاضنه الراسية منذ الأزل في المؤسسات العامة والخاصة! واستخلاص حزم مضيئة متينة من المعايير والكفايات ترفد واقع القيادات عامة وتؤطر لمعايير عليا لاختيار القادة التنفيذيين،
بوح الختام.
تلكم دروس تجلتْ في مسيرة ممتدة رغم اختلاف الأقنعة..!!.