حمّاد السالمي
* يمر إقليمنا الشرق أوسطي هذه الأيام؛ بمتغيرات أربعة مهمة، لها دلالاتها السياسية والفكرية والأمنية، نتمنى أن تفضي بمجتمعاتنا إلى عصر جديد من الأمن والسلام والتغيير نحو الأفضل.
* المتغير الأول: هو سحق تنظيم داعش الإرهابي وقرب نهايته في الشام. والثاني: هو الحصار الأممي على إيران الخمينية لوقف تهديدها المستمر للأمن في المنطقة. والثالث: هو حملة اتهامات موجهة ضد تركيا من مصر والقادة السياسيين في ليبيا؛ بأنها تتدخل في الشأن الليبي، وتدعم الجماعات الإرهابية بالأسلحة في هذا البلد العربي المنكوب. أما المتغير الرابع: فهو موقف أمريكي جديد من دولة الحمدين في قطر؛ الذي جاء على لسان أعضاء في الكونغرس الأمريكي مؤخرًا، متهمينها بدعم وتمويل الإرهاب في العالم، ومطالبين بمحاسبتها. مما قال به أعضاء في الكونجرس: (قطر ترعى الإرهاب في مناطق، منها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وتستمر في تمويل حركة حماس، التي تصنفها الولايات المتحدة منظمة إرهابية) و(القطريون يمولون تنظيم القاعدة في سورية وجماعة الإخوان، ودفعوا فدية تصل إلى مليار دولار لإحدى الحركات التابعة لتنظيم القاعدة ومسؤولين أمنيين إيرانيين) و(قطر تعمل كمصدر تمويل لجبهة النصرة، وهي جماعة سورية متشددة على صلة بتنظيم القاعدة)، و(قطر يجب أن تقرر إما أن تعمل مع دول مجلس التعاون الخليجي؛ أو التعاون مع إيران، لن تستطيع فعل الاثنين معاً).
* ماذا يعني انحسار خطر الإرهاب في عالمنا العربي؛ بنهاية الدواعش، ومحاسبة نظام الحمدين، ووقف التدخلات الإيرانية والتركية، التي تشجع التطرف، وتعمل بأموال قطرية سائبة، وفكر إخواني فاسد؛ على زعزعة أمن واستقرار البلدان العربية..؟ خاصة وأن جرائم هذا الرباعي الخبيث -إيران وتركيا وقطر والإخوان- شاهرة ظاهرة، في سورية وليبيا والعراق ولبنان واليمن وغيرها..؟.
* خطر الإرهاب على أيدي هذه الجماعة التي شوهت الإسلام ونكبت المسلمين؛ ينحسر نعم، لكنه لن ينتهي إلى الأبد ما ظل هناك من يدعم المشروع الإرهابي سياسيًا وماليًا وفكريًا. القتلة من داعش؛ يخرجون تباعًا من الشام إلى ليبيا وتشاد ومالي ودول كثيرة؛ عبر منافذ تركيا، وسفنها في البحر الأبيض المتوسط، مزودين بسلاح تركي، وقادتهم من الإخوان المفسدين؛ ينظمون صفوفهم من جديد في ليبيا وتشاد، ولكي نجابه هذا الإرهاب المتسربل بالدين الإسلامي؛ لا بد أن تتحد دول وشعوب المنطقة العربية قبل غيرها، لمباشرة حرب عسكرية لا هوادة فيها لكل مليشياته وعناصره، ثم العمل على محاصرته فكريًا، لنزع فتيل الشرعية الدينية التي وفرها الفقه الإسلامي المتشدد لهؤلاء القتلة، ثم العمل كذلك على مواجهة اقتصادية توقف التدفق المالي للدواعش في أيّ مكان، ومتابعة ومراقبة حسابات الأتباع والمؤيدين والمتعاطفين، والأهم من هذا كله؛ تبني سياسات تعليمية منفتحة، وأخرى عملية منتجة، ومنظومات إدارية تتسم بالعدالة والمساواة في كل بلد عربي، بهدف توفير الفرص للشباب؛ لبناء قدراتهم، وتحقيق أحلامهم في حياة نافعة بعيدة عن بؤر التطرف ومبررات التشدد.
* عندما انهار الاتحاد السوفيتي منطلق التسعينيات من القرن الميلادي الفارط، انتهت الثنائية العدائية بين السوفيت وأمريكا في الشرق الأوسط، وانتهت معها الحرب الباردة، وخلا الإقليم لقوة متطرفة قادمة من إيران، تبحث لها عن مكان ومكانة كقوة ثالثة بديلة بعد غياب روسيا وتململ أمريكا.
* استغلت إيران الخمينية؛ هشاشة الأوضاع المذهبية والسياسية والاقتصادية، التي أخذت تعاني منها بلدان عربية كثيرة، بعد تجارب مريرة مع الاستعمار العثماني طيلة ستة قرون، ثم مع الاستعمار الغربي، فالشيوعية التي جاءت مرادفة للمشروع القومي المضاد للرأسمالية والاستعمار. كثيرة هي المشروعات السياسية التي كانت تتضاد، ومن ثم تفسح المجال لمشروع إسلاموي أممي لا يبقي ولا يذر، ظهر في نهاية العشرينيات من القرن الميلادي الفارط، وظل طيلة تسعة عقود؛ لاعبًا على كل الحبال، لانتهاز الفرصة المناسبة. الفرصة جاءت من طهران هذه المرة، ولو أنها بلباس شيعي كما يريد الخميني لا بأس في ذلك؛ الغاية تبرر الوسيلة.. إن تقاطر زعماء وقيادات الإخوان العرب (السنّة تحديدًا) على طهران بعد مجيء الخميني للتهنئة؛ ليس مصادفة، وليس موقفًا غير محسوب، فها هي الأيام تثبت انحياز الإخوان المفسدين لأعداء العرب.. والعرب السنّة تحديدًا..! لقد توغلوا في المجتمعات بخطاب ديني خادع، وتغولوا في إفساد الفهم الديني للإسلام، واستغلوا مرجعيات ومدارس دينية متخلفة، وقتلوا وشردوا ونشروا الفتن كافة، وهاهم من جديد؛ يباشرون مشروعهم التخريبي في المنطقة عبر طهران وأنقرة انطلاقًا من (دوخة نظام الحمدين)، التي توفر لهم الغطاء المادي والدبلوماسي.. بل هم من يحكم قطر، ويسير دفتها كما يريدون لا كما يريد الشعب القطري العربي الحر.
* جاء الوقت الذي نؤمن فيه؛ أننا لسنا وحدنا في هذا الكون، وأنه ليس بمقدورنا أخذ ثمانية مليار إنسان إلى الجنة بالقوة.. من شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر؛ وبالمجادلة الحسنة، والقدوة الطيبة؛ كسبنا إلى صفنا مئات الملايين من البشر. الدعوة إلى الأممية والخلافة الإسلامية المزعومة؛ هي (خرافة إسلامية) بحتة، يجب أن تتوقف.. معاداة الآخرين والصراع معهم؛ خيار عبثي، والبديل الحتمي؛ هو التعايش السلمي مع الآخر أيّاً كان دينه ومذهبه.