رقية سليمان الهويريني
لم يكن أخي محمد سليمان الهويريني شقيقاً جمعنا رحم واحد وأب واحد فحسب! بل هو قدري الجميل في هذه الحياة، حيث هو الصديق حيناً والمستشار حيناً، وهو الأب أحايين كثيرة برغم أنه يصغرني عمراً ويفوقني قدراً!
ولئن اعترتنا مشادات كثيرة مثلما تحصل بين الإخوة، وتباينت بيننا وجهات نظر مرات عديدة؛ فإن حالات الانسجام والتناغم تعلو عليها، لأن مستوى الاحترام يهيمن على الانفعالات، والتقدير يعلو على جميع المشاعر.
أما مقدار إعجابي به فهو لا حدود له، لأنه يمتلك صفات ومزايا جميلة، أولها الثقة بالذات وعزة النفس والأنفة! فلم أشهد له موقفاً متخاذلاً لنيل مطمع دنيوي أو إرضاء لشخص ذي نفوذ. أما الورع والترفع فإنهما صفتان تجمّل شخصيته وتزيدني إعجاباً به. ولديه استعداد متواصل لتحمل المسؤولية، وعصامية نادرة في جيله، وطموح عالٍ لتحقيق أهدافه، وجدية في العمل لتنفيذها.
وقد يخيل لكم أن صاحب هذه الصفات رجلاً صارما وعملياً فقط، ولكنه في الواقع ليّنا حنونا يملك عاطفة متدفقة نحو أسرته وعائلته وأقاربه وأصدقائه وحتى الغرباء.
ولم أكن لأكتب هذا المقال، حيث أرغب دوماً بالاحتفاظ بمشاعري نحو عائلتي؛ إلا أن فجيعة تعرضه للمرض مؤخراً أخرج مكنونات نفسي، بعد أن ضج الألم في كبدي وخنق الوجع قلبي، وتحلبت المرارة في حلقي، وطوقني القلق وجللتني سحابة حزن، وأصبحت لا أفكر إلا بعافيته وصحته وعودته بيننا سليماً معافى.
نسيت نفسي وأوجاعي وهمومي ومتطلبات أسرتي وأعمالي، وتجاهلت الزمان والمكان لأكون بقربه، وأنظر لوجهه البهي وأدعو الله أن يشفيه، فهو السراج الذي يضيء وحشتنا والخيمة التي تظللنا.
وما كنتَ لدينا، ونحن -شقيقاته- نجتمع حوله في المستشفى ونتزاحم فوق سريره كالأطفال دون أبنائنا ولا التزاماتنا؛ نداعبه ونسترجع ذكرياتنا معه ونغرق في دموعنا، ونَشرَق في دعائنا له، وتبدو خطوط الزمن راسمة معالمها في وجوهنا، بينما قلوبنا لازالت صغيرة، وكأننا نود أن نلمسَ يديه ونجري وهو يركض خلفنا فنختبئ خلف الأبواب لنتفاجأ به يمسك بجدائلنا ويجمعنا حوله منتصراً ونحن نضحك، وهو بكامل صحته ولياقته ووسامته وابتسامته المريحة.
قم يا شقيق الروح وتوأم النفس، انهض وقاوم المرض واركض في ردهات الحياة، فغداً جميل بوجودك، وبهي بحضورك، وبك يطيب العيش وتحلو الحياة!