د. حمزة السالم
حقيقة الاشتراكية، أنها إقطاعية متطرفة، فالدولة هي من يمتلك الثروة كلها. والدولة -كذلك- هي التي تستهلكها، بينما يعيش المجتمع حد الكفاف.
والتوزيع العادل للثروات هو الأساس الذي خلق الله السوق عليه بحسب نظامه الإنتاجي. والتوزيع العادل لا يعني المساواة الصورية في ملكية وحجم الثروة، ولكن العدالة في استهلاكها. فقد تفاوت أصحاب الرسول والأنبياء من قبلهم في الغنى والفقر، فمنهم الغني الواسع الغنى ومنهم الفقير المدقع. قال تعالى: {وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً}، فعلى هذا خلق الله السوق كما خلق الخير والشر والموت والحياة لحكمة البلاء التي أرادها الله لعبادة وهو الحكيم الخبير وإليه العودة والنشور فيبين لعباده ما كانوا فيه يختلفون.
فالاقتصاد الاشتراكي سواء أكان ذا غلبة في الإنتاج الصناعي أو في الإنتاج الدخلي، فهو في كلا الحالين مخالف لسنَّة الله في السوق، في كون تملك القلة - وهي الدولة- للثروة.
فتملك فرد واحد -وهو الحكومة- للثروة، هو إساءة استخدام لديناميكية كلفة الإنتاج. فالإنتاجية الاشتراكية، تعمل في نطاق إنتاجي مكلف للغاية. فبهذا تكون السوق الاشتراكية -في اقتصاد إنتاجي صناعي- عبارة عن سوق إقطاعية متطرفة، إضافة إلى أنها تحكم إنتاجاً صناعياً، وهذا جمع معاكس لخلق الله للسوق، فما كان له أن يدوم. فالاشتراكية في الاقتصاديات الإنتاجية الصناعية تجمع بين مخالفتين لطبيعة السوق أو تتعارض مع سنتين من سنن خلق الله للسوق. لذا ففشل الاشتراكية في الاقتصاديات الإنتاجية كان أعظم وأسرع وأوضح، من فشل الاشتراكية في الاقتصاديات الدخلية، كالاقتصاد الزراعي.
والاقتصاد الإقطاعي تتركز حضارته حول الطبقة الحاكمة والغنية، ولهذا ازدهرت الديكتاتوريات السياسية في الاقتصاديات الإقطاعية. بينما الاقتصاد الرأسمالي تتركّز حضارته حول الإنتاج، فهو في الواقع يتمركز حول الطبقة العاملة المنتجة، ولهذا ازدهرت الديمقراطيات السياسية في الاقتصاديات الصناعية.
فالطبقة الغنية في الاقتصاد الإقطاعي ليست بحاجة للطبقة العاملة المُنتجة لتستهلك إنتاجها بخلاف الاقتصاد الصناعي الذي هو بحاجة للطبقة العاملة المنتجة لتستهلك إنتاجه، فهي التي تنتج هي التي تستهلك. ولهذا تكونت الطبقة الوسطى في الاقتصاد الصناعي بينما غابت هذه الطبقة في الاقتصاد الإقطاعي.
فالطلب هو الذي يخلق العرض في السوق الصناعية. ومطالب البشر لا تنتهي ولا حد لها، ولكن العرض محدود بالموارد الاقتصادية. والموارد الاقتصادية محدودة في وجودها وفي نموها في الاقتصاد الإقطاعي، فلا تنمو وتتطور، لذا فالعرض في السوق الإقطاعية محدود، فلا يحتاج للطلب.
والطفرة الصناعية كسرت المحدودية في أصل الموارد وفي نموها. وثم جاءت الطفرة التكنولوجية من بعد هذا، لتضاعف آثار الطفرة الصناعية في تعظيم الإنتاج وتحسين نوعيته، ولهذا تضاعفت التطبيقات الديمقراطية في السياسية الحكومية للمجتمعات الصناعية.
والاقتصاد الإقطاعي منه المتجدِّد ومنه الناضب. فالمتجدد كالزراعة والرعي والسياحة، وأما غير المتجدد فكالاقتصاد الحربي -القائم على الغزو- وكالاقتصاد البترولي. والإقطاعية هي سمة غالب اقتصاديات العالم القديم. وقد كان الاقتصاد في الزمن النبوي وما بعده لقرون طويلة اقتصاداً بسيطاً قائماً على الديناميكية الإقطاعية فجاءت ألفاظ النصوص التشريعية موافقة لما يعرفه الناس ويفهمونه بينما حملت في مضمونها الإعجازي القواعد التشريعية المناسبة للاقتصاد الحديث إذا ما اتُبعت الأصول الاستنباطية المنطقية التي خلق الله الإنسان قادراً على إدراك منطقيتها والتي هي كذلك منصوص عليها تصريحاً أو تضميناً في نصوص الوحي وتطبيقاته النبوية.