لقد تأكد لي ولكل قادم إلى الأحساء حتى من داخل المملكة العربية السعودية ودول الجزيرة العربية اتساع الهوة المعرفية عن الأحساء وأهلها قبل زيارته لها والقدوم إليها وبعد الإقامة فيها، وصدق فيها قول الشاعر وكأنه على لسانها.
يا بن الكرام ألا تدنو فتبصر ما قد حدثوك فما راء كمن سمعا
الأمر الذي أكد لي أن الأحساء بحواضرها الثلاثة: الهفوف والمبرز والعيون وقراها الشرقية والشمالية ومشهدها الثقافي ومجالسها الأدبية ونهضتها العلمية في حاجة للمزيد من الاهتمام الإعلامي ومساحة أكبر في دائرة الضوء ومعرفة أعمق وأدق بهذه المنطقة الحيوية من أرض المملكة العربية السعودية لأبناء الوطن من الداخل والوافدين إليها من الأقطار الشقيقة والصديقة على السواء.
o عُرفت الأحساء منذ العصر الجاهلي وحتى الآن بأسماء ثلاثة وهى: البحرين وهجر والأحساء، والقديم من تلك الأسماء هو (البحرين) وكان المسمى يطلق على الساحل الغربي للخليج العربي أو المنطقة الشرقية للجزيرة العربية من البصرة شمالاً إلى عمان جنوبًا وقاعدتها في القديم هي بلدة هَجَر وإن كانت كلمة (البحرين) اختزلت في جزيرة البحرين أو ما يعرف بجزيرة أُوال وهي البحرين حاليًا وهي أرخبيل من الجزر المتصلة بجسور صناعية أشهرها وأكبرها جزيرة البحرين وفيها العاصمة المنامة وجزيرة المُحرق العاصمة القديمة لدولة البحرين.
o أما تسمية هذه الواحات أو هَجَر بالأحساء فقد تمً على يد أبي طاهر القُرمطي سنة (314هـ) انظر كتاب: «الشعر الحديث في الأحساء «(1301- 1400هـ) للدكتور خالد بن سعود الحلبي ط (1) نادي المنطقة الشرقية الأدبي في الدمام عام (1424هـ - 2003 م) وقد اُشْتُهرت الأحساء بالبحرين وهَجَر إذا في العصرين الجاهلي والاسلامي حتى العصر العباسي الثاني حيث إنشئت الدويلات في أطراف الدولة العباسية وقد ورد ذكرها في الأدب الجاهلي وقد كانت تقام فيها أسواق التجارة والشعر والخطابة ومنها سوق المشقر وقد كان أمرؤ القيس يؤمها ويتردد عليها.
(انظر كتاب الاعلام في صدر الإسلام للدكتور عبد اللطيف حمزة.ط مكتبة الأسرة (2005م) ص 29، 30). وكانت سوق هَجَرسوقًا تجارية، وتشتهر باللؤلؤ ومنتجات النخيل وتجارة الهند وفارس ويدير أمورها ملك البحرين في ذلك الزمان. (انظر المصدر السابق ص 30) ومن أشهر شعراء البحرين -هجر قديمًا - طرفة بن العبد والمثقب العبدي والمفضل العبدي، ولم يزل العشق الكبير للشعر إنشاءً وتذوقًا في أبناء الأحساء إلى يومنا هذا.
o ونظرًا لموقع الأحساء تاريخيًا وجغرافيًا حيث يحدها من المشرق الخليج العربي ومن الجنوب عُمان والربع الخالي ومن الغرب نجد والرياض ومن الشمال البصرة والكويت. ومنطقة الأحساء إداريًا بحسب الحالة السياسية والدولة المسيطرة، فحينًا تمتد حتى البصرة شمالاً ومن المشرق والجنوب كانت تضم قطر وعمان، وحينًا كانت واحات الأحساء والقطيف وإن كانت جغرافيًا تطلق على الأحساء بحاضرتها الحالية مدينة الهفوف وشقيقتها مدينة المبرر وثالثهما مدينة العيون، ومما أطلق عليها قديمًا (الخط) و(وادي المياه) وإن كان الخط للخط الساحلي بمدنه وحواضره كالقطيف ودارين ويشمل العقير ميناء الأحساء الواقع في شرقها على الشاطئ الغربي للخليج العربي وهو ميناء المنطقة قبل المرحلة النفطية أواخر الثلاثينيات الميلادية وظهور المدن الجديدة مثل مدينة الدمام حاضرة المنطقة الشرقية حاليًا وجارتها مدينة الخُبر الجميلة.
o وقد سبقت هَجَر إلى الإسلام طواعية وقد دعا لها الرسول صلى الله عليه وسلم بالخير والبركة وكانت تعرف حين ذاك بالبحرين وهي بلاد بساتين النخيل والفواكه والغلال منذ القدم حتى إن الرسول صلى الله عليه وسلم شبه ثمار الجنة ببعض ثمارها، وأهلُها أشبه بأهل المدينة في استقرارهم وتحضرهم واعتناقهم الإسلام طواعية وانفتاحهم على حضارات العالم وثقافاته المتعددة، ولقربها من بلاد فارس والهند وتواصلهم معهما فضلاً عن حضارات اليمن قديمًا وسبأ حيث خضعت في العصر الجاهلي لمملكة (عاد) ومن بعده لدولة (معين) ثم (سبأ) ثم إلى حكم (عبد القيس) بعد ضعف مملكة سبأ كما ذهب الشيخ محمد بن أحمد بن عبد اللطيف الملا في مقالته في كتاب اثنينية النعيم التذكاري (الأمسية الاحتفالية الأولى «الذي أعده راعي الاثنينية الأديب التربوي الأستاذ محمد بن صالح النعيم (1423هـ -2002 م) ص 37، 38.
o ويذكر الشيخ محمد بن أحمد بن عبد اللطيف الملا ما أورده الإمام أحمد رحمه الله في مسنده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا لعبد القيس فقال: «اللهم اغفر لعبد القيس « وقال: «يا معشر الأنصار أكرموا إخوانكم وفد عبد القيس لمَّا قدموا المدينة) فإنهم أشبه الناس بكم في الإسلام. أسلموا طائعين وغير مكرهين «. وقد ثبت بنو عبد القيس على إسلامهم حين ارتد كثير من العرب وواجهوا المرتدين من العرب والمجوس في قرية جُواثي بقيادة العلاء بن الحضرمي فانتصروا وكسروا شوكة المرتدين.
o وقد تنبأ الرسول صلى الله عليه وسلم بقدوم وفد بن عبد القيس في العام السابع للهجرة بقيادة الأشج وهو المنذر بن عائد زعيم بني القيس وكان قد التقي صديقًا راهبًا له في دار بالقرب من القطيف فقال له في زيارة له إن نبيًا يخرج بمكة يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة بيمن كتفيه علامة، يظهر على الأديان، ومات الراهب ولما سمع الأشج بمبعث الرسول صلى الله عليه وسلم بمكة أرسل ابن أخته واسمه عمرو بن عبد القيس وهو زوج ابنته أمامة ومعه تمرُ وثياب من صنع حاضرة البحرين آنذاك (هَجَر) وأتى مكة ولقي النبي ورأى العلامات التي قال عنها الراهب فأسلم وحسن أسلامه. فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بدعوة خاله للإسلام ولما كانت السنة السابعة للهجرة قاد الأشج وفد بني عبد القيس للقاء النبي صلى الله عليه وسلم عام الوفود، وفي الصباح الليلة التي قدم فيها الوفد قال صلى الله عليه وسلم لأصحابه: «ليأتين ركبٌ مِنْ قِبَلِ لمشرق لم يُكرهوا على الإسلام».
- وكان قدومهم على النبي صلى الله عليه وسلم قدوم إسلام وإيمان لا لمنفعة، وقد أسسوا بعد إسلامهم في جواثي مسجدًا جامعًا لا تزال آثاره ماثلة حتى الآن في الأحساء ويُعد ثاني مسجد تقام فيه صلاة الجمعة في الإسلام بعد مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
** ** **
بقلم: عبد اللطيف الجوهري - كاتب أديب وتربوي مصري
alkatib14@yahoo.com