«يا ربي كيفني سودة! أستغفر الله». تقول ريان ذلك بوجل وهي تنظر إلى نفسها في المرآة المستطيلة التي تعكس صورتها كاملة، هي تتعمد ألّا تمتلك الكثير من المرآيا فتخفي الوحيدة التي اقتنتها خلف الباب الداخلي لدولابها. تنظر إلى ملابسها غامقة اللون كالبني والأسود. هي لا تمتلك ألوانًا فاتحة كالوردي ولا البحري مع حبها الشديد لتلك الألوان الزاهية. ريان تتفادى الجلسات الأسرية التي تجمعها ببنات العم والخال فهي تبدو الأكثر سمُرة بينهم، وتكره أداء حركة الحبتين التي تتم برفع الأصبعين السبابة والوسطى؛ لأنها تكشف عن سواد يديها. وكم لها من صورة منتشرة في جروبات العائلة وتظهر يدها الأكثر سوادًا خاصة منطقة وسط الأصابع.
لم تقم بتجربة الخلطات المنتشرة في السوق ولا حتى تلك المصنعة في البيت من قبل النساء الخبيرات المتمرسات، فهي تتحسس منها وتجدها قاسية على بشرتها، لكنها جربت المقشرات خاصة السكر مع زيت الزيتون. ولكن ملمس الزيوت لا يغريها بل يزعجها لطبيعته اللزجة. تقول والدة ريان: «البنت مدلعة ما يعجبها شيء، قصت شعارها مثل الصغيرين، ما يعجبها لونها ولا طولها ولا مواهبها إلا ربنا عطاها». تسأم ريان من نفسها، ومن الحناء التي تُبدع في نقشها على أيادي وأرجل صديقاتها وقريباتها، لا تقنعها تلك الرسومات الجميلة التي تتوزع على جدران بيتها وبيت جيرانها وأهلها وكل معارفها. تفضل تلوين لوحاتها بألوان فاتحة سماوية وزهرية أو حتى خضراء. بينما تترك مساحة بيضاء من دون لون؛ فالغيوم في لوحاتها دائمًا صوفية الشكل وبيضاء من غير مطر. فعلى جدار البيت تُصلب لوحة البحر والسماء البيضاء والقصور المسماة بالبيوت السبع المتصافة بجانب بعضها. رسمتها وهي تناظر الطبيعة من على سطح بيتهم القديم في عوقد الجنوبية، تحصر الجمال كله بحب وعناية في لوحة واحدة وبدفعة سخية من الوجد والشوق. ما أجمل حياتها لولا الفكرة التي تقلق كيانها، سمرة لونها الزائدة عن البقية.
«يا بنت شربي سمن الغنم، ودهني بو كل يوم بليل، بأوصي سعيد يجيب لش غرشة من حُرمة في سدح». ما تنفك جدتها سلامة تنصحها، ولكن ريان لا تستمع إليها. جدتها سلامة بيضاء كالثلج، ذات شفتين ورديتين، لكنها ذات وزن زائد عن اللزوم. ريان لا تود أن تسمن مثلها، عدا ذلك فلسمن الغنم رائحة نفاذة غير مستحبة بتاتًا.
سلامة تسهب بفرح: «آني يومني مثلش أكب السمن مع الحليب الحار وأجرعه كله، أيش كنت أحبه. وما في حد في الحارة ما خطبني». ثم تسرد ذكرياتها القديمة وتسترسل قائلة: «كان عندنا غنم كثير ووالدي يربيهن مثل عياله، كان يحلبهن ويطلّع السمن، يحط الحليب في قربة جلدية وينجشها لساعتين وزيادة».
ريان: «حبوبة، وكيف الحليب يصير سمن؟»
سلامة: «لا لا، كان والدي ينجش الحليب حتى يصير غليظ، وبعدين يتكون روب وسمن، يفصلهم من بعض ويبيعهم». قلقت ريان أن يسد السمن شرايينها أو يسبب لها أمراضًا بالقلب، فتقول بجزع مبالغ به: «حبوبة السمن يجيب المرض والشرايين».سلامة: «من قالش؟ هو ما فيه دسومة، كنا نعطيه للصغير إذا مرض، وإذا عنده بلغم وزيدة يعالج حساسية الجلد، والعرايس يشربينه ويدهنين به قبل عرسهن عشان يتفتحن، أنتِ وارش كذا خايفة؟ برايش، أوووف منش». تركتها وذهبت بعد أن ضجرت منها.
ريان تتذكر سوسن بنت عمها، عندما قالت لها بسرور: «شربت خمسة غرش فيمتو منه مع عصير البرتقال كل يوم الصباح؛ والله العظيم السليوليت يلي في فخاذي اختفى، وبوضت وضعفت منه. حتى زوجي طلق زوجته الثانية ورجع لي، الحمد لله».
لكن ريان تخاف الجديد، وهي لا تحب التجارب وتهاب المجازفة. لا تريد أن تَسمن ولا أن تبقى على حالها. تشبه كمن أينما يحل ينظر إلى ألوان البشر فحسب. فتقول في نفسها: « ياللاااه، معد حد أسود غيري، كل الناس بوضت، حتى البنت السودة قدها بتقشر نفسها وتفتح». جلسات النساء لا تفضي إلا على جمال فلانة وبياض علانة وكرشة علان وفلوس فلان، ولا شيء آخر.
تقول عنها ليلى زميلتها في المدرسة، وصديقتها المقربة: «ممم، والله ريان حلوة وكيوت، كانن المدرسات أيش يحبينها كثير، وهي مبدعة في الفنون، مشكلتها السرية طارق تركها عشان وحدة غيرها، وكان يقول عنها: «خطيبتي الحلوة، والله تفقع بوض» أيش كنت أكرهه، لكن ريان مسكينة فقدت ثقتها بنفسها، وبدت تحس أنها سودة وما هي حلوة».
طارق يصرح لنفسه بندم: «شفت ريان بعد سنتين في مطعم على الجبل جنب البلكونة، كنت طالع مع الشباب وهي داخلة مع صديقاتها، والله إني ما عرفتها في البداية. لكني تسمّرت وهي التفتت لي تتأكد مني، معد قدرت أتحرك، أصحابي وصلوا السيارة وأنا عادني مصدوم بها، أتحالي فيها وأنا ندمان، صارت بيضة وحلوة. خطيبتي إلى فسخت علاقتي بها، كانت بيضة بس خُلقها ما هو حلو واجد، غير أخلاقها ما عجبتني، يا ريتني ما تركت ريان».
أم علي: «ريان زينة البنات، كل ما تكبر تحلو ما شاء الله عليها. على ولدي كان بيلعب معها لما كانوا صغارًا ويعتبرها أخته، بس لما خلص الجامعة ورجع من مسقط آخر مرة، قال لي: يامّا خطبيها لي». آمال أخت ريان: «ريان عزيمتها عجيبة وإرادتها قوية والله، سنة وهي تشرب سمن، أحلوت وقدها أفتح وحدة فينا، استغفر الله ربي، ريحته بس محد يقدر يتحمله، بس هي كانت تخلطه مع العصاير والحليب الحار وتشربه، داومت على الرياضة لأنها خافت من السمنة، ربي يوفقها، أول ما خسّت وبوضت انخطبت، عرسها بعد ثلاث شهور الحمد لله، آني بعد بديت أشرب السمن بس ما خابرت حد».
** ** **
إشراق النهدي - سلطنة عمان