هالة الناصر
في بادرة طيبة ومهمة، قامت جامعة أم القرى، عبر عمادة البحث العلمي، بعقد ورشة «العقوبات البديلة» التي تجري جلساتها هذه الأيام، والتي تهدف إلى التأصيل الشرعي للعقوبات البديلة والاستفادة من التجارب الدولية المطبقة والخروج بمبادرات وطنية لدراسة آثار تطبيقها.
وظني أن هذه الورشة تأتي بمنزلة تجسيد حقيقي لدور الجامعات في معالجة قضايا المجتمع عبر الأبحاث والدراسات، خاصة القضايا تلك التي تحتاج مزيدًا من المناقشة والبحث والدراسة والتعريف بها على نطاق واسع والتواصل مع فئات المجتمع المختلفة لفهم رؤيتهم حيالها، وهو الدور الذي يبدو على إدارة جامعة أم القرى أنها تستوعبه بشكل احترافي ووعي كامل بقيمتها الأكاديمية.
وتظل فكرة «العقوبات البديلة» قضية مهمة ومحورية في فكرنا العقابي والقانوني، وخاصة أن الكثيرين يبدون آراءهم في هذه المسألة دون الإحاطة بالمقصود بها والغرض من ورائها،
والمقصود بـ»العقوبات البديلة» ينسحب غالبًا على عقوبة السجن، أي أنها لا تنسحب إلا على أبواب التعازير فحسب التي لا يوجد فيها نص شرعي في تقدير عقوبتها، لذا يقال: إنها عقوبات دون الحدود الشرعية، ويدور جوهر العقوبات البديلة حول إيقاع عقوبات جديدة بديلة للسجن تتلافي الآثار الجانبية التي يحدثها في نفسية السجين التي تنعكس بالضرورة على المجتمع، وفي نفس الوقت تكون عقوبة زاجرة تنفر من إتيان الفعل المعاقب عليه، حيث إن هناك مخالفات صغيرة يكون الضرر من وراء سجن مقترفها أكبر من ضرر المخالفة ذاتها.
وهذا لا يعني إلغاء عقوبة السجن بشكل كامل، بل يظل السجن خيارًا للجرائم الكبرى التي لا يجوز بأي حال من الأحوال أن نترك مرتكبها ليعيث فسادًا في المجتمع، ويكون مرد العقوبات البديلة إلى اجتهاد القاضي بحسب سلطته التقديرية التي يمنحها له النظام، حيث يقدر القاضي بنظره ما يحقق المصالح وما يدرأ المفاسد، شريطة أن يراعي في ذلك المجتمع والمجني عليه، وقبلهما المقاصد الشرعية الإسلامية في الزجر والردع،
الثابت أن الفكر العقابي في مختلف بلدان العالم شهد تطورًا كبيرًا وبات ينظر بشكل مختلف لمفهوم العقاب والزجر، وهو ما يجب علينا أن نستفيد منه ونعيد النظر في كافة العقوبات التي لا يوجد بشأنها نص شرعي صريح.